Search - للبحث فى مقالات الموقع

Friday, February 4, 2011

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء :93





قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) الآية ، نزلت في مقيس بن صبابة الكناني ، وكان قد أسلم هو وأخوه هشام ، فوجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بني فهر إلى بني النجار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن صبابة أن تدفعوه إلى مقيس فيقتص منه ، وإن لم تعلموا أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك فقالوا : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان مقيسا فوسوس إليه ، فقال : تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة ، اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية؛ فتغفل الفهري فرماه بصخرة فشدخه ، ثم ركب بعيرا وساق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا فنزل فيه : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) بكفره وارتداده ، وهو الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ، عمن أمنه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة


قوله تعالى : ( وغضب الله عليه ولعنه ) أي : طرده عن الرحمة ، ( وأعد له عذابا عظيما ) اختلفوا في حكم هذه الآية . 



فحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن قاتل المؤمن عمدا لا توبة له ، فقيل له : أليس قد قال الله في سورة الفرقان : ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى أن قال ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب ( الفرقان 67 - 70 ) ، فقال : كانت هذه في الجاهلية ، وذلك أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وزنوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تدعوا إليه لحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلتوالذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن فهذه لأولئك . 



وأما التي في النساء فالرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم . [ ص: 267 ] 



وقال زيد بن ثابت : لما نزلت التي في الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة ، وأراد بالغليظة هذه الآية ، وباللينة آية الفرقان . 



وقال ابن عباس رضي الله عنهما : تلك آية مكية وهذه مدنية نزلت ولم ينسخها شيء . 



والذي عليه الأكثرون ، وهو مذهب أهل السنة : أن قاتل المسلم عمدا توبته مقبولة لقوله تعالى : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ( طه - 82 ) وقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( النساء - 48 ) وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فهو تشديد ومبالغة في الزجر عن القتل ، كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال : إن لم يقتل يقال له : لا توبة لك ، وإن قتل ثم جاء يقال : لك توبة . ويروى مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما . 



وليس في الآية متعلق لمن يقول بالتخليد في النار بارتكاب الكبائر ، لأن الآية نزلت في قاتل وهو كافر ، وهو مقيس بن صبابة ، وقيل : إنه وعيد لمن قتل مؤمنا مستحلا لقتله بسبب إيمانه ، ومن استحل قتل أهل الإيمان لإيمانهم كان كافرا مخلدا في النار ، وقيل في قوله تعالى : ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) معناه : هي جزاؤه إن جازاه ، ولكنه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بكرمه ، فإنه وعد أن يغفر لمن يشاء . 



حكي أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فقال له : هل يخلف الله وعده؟ فقال : لا فقال : أليس قد قال الله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) فقال له أبو عمرو بن العلاء : من العجمة أتيت يا أبا عثمان ! إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفا وذما ، وإنما تعد إخلاف الوعد خلفا وذما ، وأنشد : 

وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي



والدليل على أن غير الشرك لا يوجب التخليد في النار ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة "



أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن ، عبادة بن [ ص: 268 ] الصامت رضي الله عنه - وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة - وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله ، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " ، فبايعناه على ذلك

مصير المنتحر والقاتل



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. 


فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم يجأبها بطنه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى في جبل فإنه يتردى في جهنم خالداً مخلداً فيها" (رواه البخاري: 5778، ومسلم: 109)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام, فدلت الآية ودل الحديث على عظم تحريم قتل الإنسان نفسه أو قتله لغيره وأن ذلك من كبائر الذنوب، فأما قتل الإنسان نفسه متعمداً فلا يترتب عليه شيء من أحكام الدنيا ولا حق لأحد فيه ولا تجب فيه الكفارة، وهو إذا كان مسلماً موحداً فهو يوم القيامة تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وإن عذبه فإنه لا يخلد في النار، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة، فكل من مات على التوحيد ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام فإنه لابد له من دخول الجنة ولو بعد تمحيصه في النار، فإما أن يتجاوز الله عنه دون عذاب، أو يعذبه سبحانه ثم يخرجه من النار برحمته أو بشفاعة الشافعين من أوليائه سبحانه وتعالى، وهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة محمول على الوعيد ومقيد بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية، [النساء: 48]، ودل على خروجه من النار ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان - أو مثقال خردلة من الإيمان" (رواه البخاري: 44، ومسلم: 184) وما في معناه. 



وأما من يقتل غيره متعمداً فإنه من أهل الوعيد الذي في الآية الكريمة: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، والكلام في هذا الوعيد كالكلام في الوعيد الذي ورد في الحديث، فالقاتل إذا مات ولم يتب ومات على التوحيد والإسلام فإنه كذلك تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ثم أخرجه من النار برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته. 


ولكن القاتل للنفس التي حرم الله يترتب على فعله مع الوعيد الشديد حقوق فإما القصاص أو الدية. 



قال العلماء: إن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: 


حق الله فهذا يسقط بالتوبة فإذا تاب العبد توبة نصوحاً تاب الله عليه، ومن شروط التوبة أن يسلم القاتل نفسه. 


الثاني من الحقوق: حق أولياء المقتول، وهذا الحق يسقط بعفو الأولياء أو أخذهم الدية، وإلا اقتصوا منه بأن يقتلوه بالقتيل، إذا توفرت شروط القصاص فلولي المقتول الأخذ به وإن شاء تنازل إلى الدية أو عفا مجاناً. 


والحق الثالث حق المقتول وهذا يستوفيه يوم القيامة، فإن كان القاتل قد تاب توبة نصوحاً فالله سبحانه وتعالى بفضله يرجى أن يرضي المقتول عن حقه ويكرم عبده التائب، وإلا فإنه يستوفي حقه من حسناته، فيوم القيامة ليس فيه ما تقضى منه الحقوق إلا الحسنات والسيئات، كما جاء في حديث المفلس، وهو الذي يأتي بأعمال صالحة، ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وانتهك عرض هذا وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته ولم يؤد ما عليه أخذ من سيئات المظلومين ثم طرح عليه ثم طرح في النار انظر مسلم (2581). 



والقتل العمد ليس فيه كفارة، وإنما في قتل الخطأ، فقتل العمد أعظم وأكبر من أن تؤثر فيه الكفارة، وإنما تجب فيه الحقوق التي ذكرت، يجب على القاتل التوبة النصوح ويجب عليه تسليم نفسه لأولياء المقتول ثم الله سبحانه وتعالى يحكم فيه يوم القيامة بعدله. 



وبهذا نعرف أن المؤمن الموحد لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، بل هو تحت مشيئة الله وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج والمعتزلة يقولون إن من مات مصراً على كبيرة من كبائر الذنوب فإنه لابد أن يدخل النار، وإذا دخلها فإنه لا يخرج منها، بل يكون مخلداً فيها، وهذا قول باطل مخالف للنصوص الصحيحة في خروج الموحدين من النار. والله أعلم.