نبذة تاريخية
مر تبادل الاتصالات عن بعد بعدة مراحل هي: البرق غير المكتوب بإرسال إشارات مصطلحة أو إشارات أبجدية والبرق المرئي، والبرق المكتوب بالإرسال السلكي واللاسلكي.
البرق غير المكتوب
مارس إنسان ما قبل التاريخ الاتصال بالآخرين بالقرع على الأشياء المجوفة وجذوع الأشجار والطبول والصفير وطوّر على أساسها مجموعات من الرموز الصوتية، كما استخدم الدخان والنيران والسطوح المعاكسة لإرسال الإشارات.
البرق الأبجدي
ترجع بدايات استعمال الإشارات الأبجدية إلى نحو عام 300 ق م، حين ابتكر اليونانيون شبكة مربعات من خمسة صفوف أفقية وخمسة صفوف عمودية، خصص كل مربع من مربعاتها لحرف من الحروف اليونانية الأربعة والعشرين، واستخدموا للدلالة على كل حرف منها جراراً من الفخار ترتب وفق تلك الشبكة فوق جدارين. طبقت هذه الطريقة فيما بعد على الحروف اللاتينية فرمز إلى كل منها بزوج من الأرقام، وطورت الفكرة فيما بعد حين اقترح رياضي إيطالي يدعى جيرولامو كاردانو استخدام خمسة مشاعل على خمسة أبراج للدلالة على حروف الأبجدية كلها على أساس التناوب بين المضيء والمعتم (الصفر والواحد في المفهوم الحديث).
البرق المرئي
ثمة منظومتان تسترعيان الانتباه من البرق المرئي غير المكتوب عرفت إحداهما في فرنسا سنة 1794م باسم «ملوّحات الجمهورية الأولى»، وأنشئت الثانية في إنكلترة لصالح الأدميرالية البحرية عام 1795م.
وصاحب الابتكار الأول هو المهندس الفرنسي كلود شاب، وكانت تتألف من ملوّحة بذراعين متمفصلين فوق عارضة، ولكل ذراع سبع وضعيات بزاوية 45 درجة بين الوضعية والأخرى، ترمز كل وضعية منها إلى حرف من حروف الهجاء ورموز أخرى. تُنصب الملوّحة على برج فوق ذروة مرتفع يرى من نقطة أخرى مماثلة على مسافة 5-10 كم ويعاد إرسال الإشارة من نقطة إلى أخرى حتى تبلغ غايتها إذا توافرت شروط الرؤية الجيدة.
أما صاحب الابتكار الثاني فهو أسقف إنكليزي يدعى جورج موراي، طور منظومة سميت «البرق اللوحي» استخدمتها قيادة القوى البحرية الإنكليزية بنجاح، وكانت تتألف من ستة ألواح يدور كل منها بزاوية مقدارها 90 درجة على محور أفقي، وقد رتبت هذه الألواح في صفين، ونصبت على حامل مرتفع، ويشار إلى الحرف أو الرمز المطلوب بعدد الألواح المفتوحة في الوضع الشاقولي وترتيبها. وسرعان ما ظهرت أشكال أخرى مختلفة من منظومة موراي انتشرت في بريطانية والولايات المتحدة الأمريكية (الشكل-2) وظلت مستخدمة إلى تاريخ استخدام البرق الكهربائي (المورس).
البرق باستخدام الكهرباء
كان اكتشاف الكهرباء نقطة تحول جديدة في مجال الاتصال البرقي حين توصل الفيزيائي الإيطالي ألساندرو فولتا[ر] إلى إقامة خط لإرسال الإشارات بين كومو وميلانو في إيطالية عن طريق سلك من الحديد مثبت على أعمدة، واقترح استعمال أجهزة متماثلة عند نهايتي خط الاتصال تعمل وفق مبدأ الساعة فتشير إلى أرقام يمكن ترجمتها إلى حروف بالاستعانة بكتاب «التشفير». وفي عام 1816م أنتج جهاز برق على مبدأ الساعة في إنكلترة. ومع أن هذا الحل لم يكن مقنعاً فقد كان الأساس الذي بشر بظهور «التلغراف الكاتب» والطابعة البرقية فيما بعد.
التسجيل البرقي بالإبر المغنطيسية
دخل الاتصال البرقي عصراً جديداً باستخدام الأثر المغنطيسي للتيار الكهربائي وكانت أول منظومة برق كهربائية عملية من إنجاز المخترع والمستشرق الروسي بافل شيلينغ (1786م- 1837م) استخدم فيها ست إبر ممغنطة يتحكم فيها مجال مغنطيسي من تيار كهربائي يمر في ملف من أسلاك نحاسية معزولة، فتتحرك كل إبرة في إحدى وضعيتين بحسب اتجاه سريان التيار في الملف المستقْبِل، الذي يتحكم فيه وضع المفاتيح في جهاز الإرسال، وبذلك يمكن إرسال 64 إشارة مرمزة تدل على حروف الألفبائية والأرقام وعلامات الترقيم. وقد تمكن شيلينغ من إقامة خط برقي بين مقري إقامة القيصر الروسي في بطرسبرغ، واستخدم سلكاً معزولاً في أنابيب زجاجية تحت الأرض
إرسال البرقية
يتم إرسال البرقيات في معظم البلاد الموجودة بها هذه الخدمة بوساطة فرد مختص، حيث يقوم هذا الفرد بتبليغ الرسالة عن طريق الهاتف بطريقة معينة. ويستطيع الفرد أن يذهب إلى مكتب البرق العام ويكتب رسالته على نموذج معين. ثم يتم تسجيل البرقيات التي تم إرسالها هاتفيًا بوساطة عامل متخصص، باستخدام نبيطة تسمى وحدة العرض المرئية. تقوم بإعادة عرض الرسالة على الشاشة. ثم يقوم العامل بالضغط على مفاتيح محددة لكي يتم إرسال الرسالة كلها إلى الحاسوب الذي يقوم بدوره بإرسال الرسالة إلى المكان المطلوب عبر دوائر إلكترونية. ويمكن أن يتم إرسال الرسائل من مكتب البرق أيضا إلى الحاسوب باستخدام طابعة عن بعد ذات مفاتيح تشبه الآلة الكاتبة، ويتم إرسال الرسالة بوساطة هذه المفاتيح. وعند وصول الرسالة إلى المكان الآخر يتم إبلاغ مضمون الرسالة للشخص هاتفيا أو يدا بيد شخصيا.
خدمات الاتصال الحديثة
أتاح تطور تقنيات الاتصال على هذا النحو إدخال خدمات كثيرة في مجال الاتصالات، وتستطيع شبكات تراسل المعطيات تقديم الكثير من الخدمات التي تستجيب لمتطلبات العصر في المستويين المحلي والدولي، وتدخل كلها في نطاق ما يسمى البرق التحليلي الذي يختص بنقل صور طبق الأصل للوثائق المتبادلة، بوساطة ماسح صور عن طريق التحكم في الإشارة الكهربائية الناتجة تبعاً لمستوى التدرج اللوني في الوثيقة، ويقوم جهاز الاستقبال بتحليل الإشارة القادمة وتحويلها إلى نسخة طبق الأصل عن تلك الوثيقة. ويميز من هذه الخدمات الحديثة:
الفاكسيميلي
(الفاكس اختصاراً) نوع من البرق التحليلي وتقنية تسمح بالحصول على نسخ طبق الأصل من الوثائق من بُعد. وثمة نوعان من خدمات الفاكسيميل هما:
التلفاكس
وهي خدمة الفاكس المخصصة لمشتركين خاصين عن طريق شبكة الاتصالات العامة (شبكة الهاتف أو شبكة تراسل المعطيات).
البيروفاكس
وهي خدمة فاكس عامة في مكاتب الاتصالات مخصصة لتلبية احتياجات الجمهور.
التلتكس
وهي خدمة حديثة لتبادل النصوص المطبوعة باستخدام الترميز الثماني (256حرفا) وبسرعة فائقة تزيد على أربعين ضعفاً موازنة مع سرعة التلكس، ويمكن عن طريق هذه الخدمة إرسال صفحة كاملة في أقل من عشر ثوان، ولذلك يتم التراسل بين طرفي الاتصال بعد إعداد النص كاملاً وحفظه في ذاكرة الجهاز المرسل قبل إقامة الاتصال. ويمكن لمشتركي التلتكس مراسلة مشتركي التلكس وبالعكس عن طريق عقد اتصال خاصة تملك إمكانية تحويل منظومات الترميز والتحكم في سرعة الإرسال.
الفيديوتكس
تتيح هذه الخدمة للمشتركين إمكانية الاتصال بقواعد المعطيات الحاسوبية أو غيرها بوساطة طرفية الفيديوتكس عن طريق الشبكة العامة للاتصالات. ومن مميزات هذه الخدمة أنها توفر إمكانية تبادل المعلومات نصاً وصورة ثابتة أو متحركة، وقد ترافق بالصوت أيضاً، كما يمكن للمشترك أن يدخل معلومات إلى قواعد المعطيات أو يعدل فيها إن كان يملك ذلك الحق، وأن يستفيد من تطبيقاتها المختلفة كمعالجة المعلومات والألعاب والاستعلامات وغيرها.
خدمة تداول الرسائل
تسمح هذه الخدمة بتبادل الرسائل المتنوعة الأشكال بوساطة طرفيات ذوات سرعات ومنظومات ترميز مختلفة على أساس تخزين المعطيات ثم إعادة إرسالها أو تسليمها بالبريد إلى عناوينها التي يمكن أن تكون عائدة إلى أشخاص أو جهات غير مشتركة بهذه الخدمة.
ولابد من الإشارة إلى أن ثمة محاولات حثيثة من أجل دمج خدمات الاتصالات المختلفة في شبكة خدمات واحدة توفر الاتصالات الهاتفية والخدمات الحديثة والمستقبلية كافة، ومثال ذلك «الشبكة الرقمية للخدمات المتكاملة»