قناة السويس، هي قناة مائية تقع إلى الغرب من شبه جزيرة سيناء، وهي عبارة عن ممر ملاحي بطول 163 كم في مصر بين بورسعيد علىالبحر الأبيض المتوسط والسويس على البحر الأحمر. وتقسم القناة إلى قسمين ، شمال وجنوب البحيرات المرّة.
تسمح القناة بعبور السفن القادمة من دول المتوسط وأوروبا بالوصول إلى آسيا دون سلوك الطريق الطويل - طريق رأس الرجاء الصالححول أفريقيا، وأيضا قبل حفر القناة كان بعض النقل يتم عن طريق تفرغ حمولة السفن ونقلها برا إلى البحر الأحمر
تاريخ القناة
القنوات الصناعية القديمة فى مصر
عنى حكام مصر الأقدمون بحفر قناة صناعية تربط بين البحرين الأحمر و المتوسط ولكن بشكل غير مباشر و ذلك من خلال ربطهما بنهر النيل أو بأحد فروعه (الفرع البيلوزى), ومن أشهر تلك القنوات:
- قناة الملك سنوسرت الثالث عام 1874 ق.م:-
قام الملك سنوسرت الثالث وهو أحد ملوك الأسرة الثانية عشر بشق قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر عن طريق النيل وفروعه. فكانت السفن القادمة من البحر الأبيض تسير في الفرع البيلوزي من النيل حتى"بوباستس" (الزقازيق) ثم تتجه شرقاً إلى "تيخاو" (أبو صوير) ومنها عبر البحيرات المرة التي كانت خليجاً متصلاً بخليج السويس ومنها إلى البحر الأحمر. ومازالت آثار هذه القناة واضحة المعالم حتى الآن بمحاذاة المجرى الحالي لقناة السويس بالقرب من (جنيفة). إلا أن هذه القناة كثيراً ما ردمت وتجددت في عصور الفراعنة والرومان.
- قناة سيتى الأول عام 1310 ق.م:-
جاء "سيتْي الأول" ملكا على مصر خلفاً لأبيه "رمسيس الأول" مؤسس الأسرة التاسعة عشر، وقد اختلف المؤرخون في دوره في حفر القناة، ولكن الأرجح أنه أعاد حفر القناة في عهده من عام 1319 ـ 1300 ق.م.
- قناة نخاو عام 610 ق.م:-
الملك "نخاو" هو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، فكر في حفر قناة تصل بين النيل والبحر الأحمر وحول هذا الموضوع يقول "هيرودوت" (القرن الخامس ق.م): "أنجب أبسماتيك نبكوس (نخاو) الذي حكم مصر وهو أول من شرع في حفر القناة التي تؤدي إلى بحر أروتوري (البحر الأحمر).
- قناة دارا الأول عام 510 ق.م:-
في عهد الاحتلال الفارسي لمصر، ظهرت أهمية برزخ السويس، حيث ازدهرت خطوط المواصلات البحرية بين مصر وبلاد فارس عبر البحر الأحمـر، وإبان حكـم "دارا الأول" مـلك الفرس مـن عام 522 ـ 485 ق.م الذي أعاد الملاحة في القناة، وتوصيل النيل بالبحيرات المرة، وربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر.
- قناة بطليموس الثانى عام 285 ق.م:-
قناة الإسكندر الأكبر (335 ق.م) عندما فتح الإسكندر الأكبرـ مصر عام 332ق.م أشرف على تخطيط مشروع القناة لنقل سفنه الحربية من ميناء الإسكندرية وميناء أبي قير بالبحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر الدلتا والبحيرات المرة، كما بدأ تنفيذ مشروع قناة الشمال، إلا أن المشروعين توقفا لوفاته.
في القرن الثالث قبل الميلاد قام بطليموس الثاني ـ فيلادلفوس 285ق.م" باستكمال هذه القناة وأصبحت ممتدة من النيل حتى "أرسناو" (السويس حالياً) ولكن البيزنطيين أهملوها فطمرتها الرمال.
وأثناء الحكم الروماني لمصر، وفي عهد الإمبراطور الروماني "تراجان ـTrajan عام 117 ق.م أعاد الملاحة للقناة، وأنشأ فرع جديد للنيل يبدأ من "فم الخليج" بالقاهرة، وينتهي في "العباسة" بمحافظة الشرقية، متصلاً مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة. واستمرت هذه القناة في أداء دورها لمدة 300 عام، ثم أهملت وأصبحت غير صالحة لمرور السفن.
- قناة الرومان (راجان) عام 117 ق.م
- قناة أمير المؤمنين عام 640 م
عندما فتح المسلمون مصر في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" على يد الوالي "عمرو بن العاص" عام 640م أراد توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية، فأعاد حفر القناة من الفسطاط إلى القلزم (السويس).. وأطلق عليها قناة أمير المؤمنين .. وكان المشروع في واقع الأمر ترميماً وإصلاحاً للقناة القديمة .. كان ذلك في عام 642م واستمرت هذه القناة تؤدي رسالتها ما بين 100 إلى 150 عاماً ..إلى أن أمر الخليفة "أبو جعفر المنصور" بردم القناة تماماً، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي ...ومن ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل وأغلقت القناة حتى عام 1820 .
الحاجة لحفر قناة السويس
بعد قيام الرحالة فاسكو دا جاما باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح لم تعد السفن القادمة تمر على مصر بل تدور حول قارة إفريقيا. وبعد ضمّ بريطانيا العظمى الهند إلى ممتلكاتها أصبح طريق رأس الرجاء الصالح حكراً على بريطانيا وحدها. لذلك فقد كان على فرنسا أن تفعل شيئاً يعيد لها مجدها وهيبتها لذا ظهرت الحاجة لحفر قناة السويس. ولكن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب وجود اعتقاد خاطئ بأن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من مياه البحر المتوسط.
دراسات حفر القناة فى القرن الـ 19
في عهد نابليون بونابرت وأثناء وجود الحملة الفرنسية بمصر، وتحديداً في 14 نوفمبر 1799م، كُلّف أحد المهندسين الفرنسيين ويدعى لوبييربتشكيل لجنة لدراسة منطقة برزخ السويس لبيان جدوى حفر قناة اتصال بين البحرين. إلا أن التقرير الصادر عن لجنة لوبيير كان خاطئاً وذكر أن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط بمقدار 30 قدم و 6 بوصات، بالإضافة لوجود رواسب وطمي النيل و ما يمكن أن بسببه من سد لمدخل القناة مما أدى لتجاهل تلك الفكرة.
ثمّ وفي أثناء حكم محمد علي باشا لمصر كان قنصل فرنسا بمصر هو مسيو ميمو ونائبه هو مسيو فرديناند دى لسبس و كان فى ذلك الوقت عام 1833 جاء أصحاب سان سيمون الفرنسى الاشتراكي إلى مصر لإنشاء قناة السويس و لاقا حفاوة بالغة من مسيو دى لسبس و عرضا الفكرة على محمد على باشا إلا انه عرض الفكرة على المجلس الأعلى و فضل إنشاء قناطر على النيل لمنع إهدار ماء النيل فى البحر.
فى عام 1840 وضع المهندس الفرنسى لينان دى بلفون بك و الذى كان يعمل مهندساً بالحكومة المصرية وضع مشروعاً لشق قناة مستقيمة تصل بين البحرين الأحمر و الأبيض و أزال التخوف السائد من علو منسوب مياه البحر الأحمر على البحر المتوسط و أكد أن ذلك لا ضرر منه بل على العكس سوف يساعد على حفر القناة و أن مياه النيل كذلك يجرى ماؤها من الجنوب إلى الشمال و تصب فى البحر المتوسط.
فى 15 ابريل 1846 أنشأ السان سيمونيون بباريس جمعية لدراسات قناة السويس و أصدر المهندس الفرنسى بولان تالابو تقريرا فى أواخر عام 1847 مبنياً على تقرير لينان دى بلفون أكد فيه إمكانية حفر قناة تصل بين البحرين دون حدوث أى طغيان بحرى.
مسيو دى لسبس يحول دراسات حفر القناة إلى واقع
بعد أن تولى محمد محمد سعيد باشا حكم مصر فى 14 يوليو 1854 تمكن مسيو دى لسبس - والذى كان مقرباً من سعيد باشا - من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس الاول و كان مكون من 12 بنداً كان من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين و مدة الامتياز 99 عام من تاريخ فتح القناة و اعترضت انجلترا بشدة على هذا المشروع خفاً على مصالحها فى الهند.
قام مسيو دى لسبس برفقة المهندسان لينان دى بلفون بك و موجل بك كبيرا مهندسى الحكومة المصرية بزيارة منطقة برزخ السويس فى 10 يناير 1855 لبيان جدوى حفر القناة و أصدر المهندسان تقريرهما فى 20 مارس 1855 و الذى أثبت سهولة انشاء قناة تصل بين البحرين. وقام مسيو دى لسبس بتشكيل لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسان و زاروا منطقة برزخ السويس و بورسعيد و صدر تقريرهم فى ديسمبر 1855 وأكدوا إمكانية شق القناة و أنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويين فى المنسوب و أنه لا خوف من طمى النيل لأن بورسعيد شاطئها رملى.
فى 5 يناير 1856 صدرت وثيقتين هما عقد الامتياز الثانى و قانون الشركة الأساسى و كان من أهم بنوده هو قيام الشركة بكافة أعمال الحفر و إنشاء ترعة للمياه العذبة تتفرع عند وصولها إلى بحيرة التمساح شمالاً لبورسعيد و جنوباً للسويس و أن حجم العمالة المصرية أربعة أخماس العمالة الكلية المستخدمة فى الحفر.
فى الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر 1858 تم الاكتتاب فى أسهم شركة قناة السويس و بلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد و تمكن مسيو دى لسبس بعدها من تأسيس الشركة و تكوين مجلس إدارتها.
فترة حفر قناة السويس
فى 25 ابريل 1859 أقيم حفل بسيط ببورسعيد للبدء بحفر قناة السويس و ضرب مسيو دى لسبس بيده أل معول فى الأرض إيذاناً ببدء الحفر وكان معه 100 عامل حضروا من دمياط ولم يتمكن العمال بعدها من استكمال حفرهم بسبب معارضة إنجلترا والباب العالى لذلك واستكمل الحفر فى 30 نوفمبر 1859 وذلك بعد تدخل الامبراطورة أوجينى لدى السلطان العثمانى ووصل عدد العمال المصريين إلى 330 عامل والاجانب 80 عامل، وتم الاستغناء عن فكرة الاستعانة بعمال اجانب لعدة اسباب من ضمنها ارتفاع اجورهم واختلاف المناخ واختلاف عاداتهم عن العمال المصريين.
فى اوائل عام 1860 بلغ عدد العمال 1700 عامل ولم يكن ذلك العدد كافياً على الاطلاق فقامت الشركة بتشكيل لجنة لجمع العمال و خاصة من منطقة بحيرة المنزلة وواجهت كذلك مشكلة مياه الشرب فقامت باستيراد 3 مكثفات لتحلية مياه البحر.
فى عام 1861 ركزت الشركة على انشاء ميناء مدينة بورسعيد، فأقامت منارة لإرشاد السفن و كوبرى يمتد من البحر إلى الشاطئ لتفريغ شحنات السفن و المعدات اللازمة للحفر و أنشأت أيضاً حوضاأ للميناء وأقامت الورش الميكانيكية مثل الحدادة و الخراطة و النجارة و أقامت مصنعاً للطوب و كانت الشركة مازالت تواجه مشكلة نقص مياه الشرب فاتفقت مع السيد محمد الجيار صاحب مراكب الصيد على نقل مياه الشرب من المطرية إلى بورسعيد.
قام الخديوى سعيد فى 12 ابريل 1861 بزيارة الميناء الذى حمل اسمه فيما بعد وزار الورش وأثنى على العمل وتسببت تلك الزيارة فى رفع عدد العمال اللازمين لحفر القناة.
فى 19 ابريل 1861 أرسلت الشركة 3000 عامل لحفر ترعة المياه العذبة بدءاً من القصاصين إلى قرية نفيشة بالقرب من بحيرة التمساح و وصلت المياه اليها فى 23 يناير 1863.
فى أواخر عام 1861 قام الخديوى بزيارة مناطق الحفر بجوار بحيرة التمساح و اختار موقع المدينة التى ستنشأ بعد ذلك و التى حملت اسم الإسماعيلية و طلب بعدها مسيو دى لسبس زيادة عدد العمال إلى 25000 عامل شهرياً و قد كان ذلك للوفاء باحتياجات الحفر الا ان العمال لم يكونوا يحصلوا على مقابل مادى مناسب.
فى 18 نوفمبر 1862 أقام مسيو دى لسبس احتفالاً بمناسبة الانتهاء من حفر القناة البحرية المصغرة ووصول مياه البحر المتوسط إلى بحيرة التمساح و أقيم الخفل فى منطقة نفيشة.
وكان الخديوى اسماعيل قد تولى حكم مصر فى يناير 1863 وتحمس للمشروع ولذلك أنشأ محافظة القنال فى مارس 1863 برئاسة اسماعيل حمدى بك وفى أواخر ذلك العام و تحديداً فى 15 ديسمبر1863 بلغت الترعة الحلوة مدينة السويس.
ولأن مشكلة مياه الشرب كانت مازالت مستمرة وخاصة فى بورسعيد فقد بدأت الشركة فى 10 ابريل 1864 فى مد خط أنابيب المياه العذبة من التمساح إلى بورسعيد وقامت شركة المهندس لاسرو بذلك.
وبسبب كثرة العمال و عدم وجود رعاية صحية كافية لهم فقد انتشر أكثر من وباء بينهم قضى على كثير منهم و من أشهر هذه الأبئة وباء الكوليرا و ظهر فى 16 يونيو 1865 ووباء الجدرى فى أواخرعام1866. وفى 18 مارس 1869 وصلت مياه البحر المتوسط إلى البحيرات المرة. وفى 15 أغسطس ضربت الفأس الأخيرة فى حفر القناة و تم اتصال مياه البحرين فى منطقة الشلوفة.
و عليه فقد تم استخراج 74 مليون متر مكعب من الرمال و التكاليف 369 مليون فرنك فرنسى و عدد العمال مليون. و يبلغ عدد الذين ماتوا أثناء الحفر 125 ألف عامل و يبلغ طول القناة 195 كم وعرضها 190 م غاطسها 58 قدم.
مياه الشرب
فى البداية كان يتم جلب المياه من دمياط عبر القوارب الصغيرة و من الإسكندرية عبر سفينة مجهزة لذلك وتحمل 8 ألاف لتر من الماء و أقامت مكثفين لتقطير المياه فى يونيو ثم يوليو عام 1859 ينتج كل منهما 5 ألاف لتر يومياً إلا إن الإنتاج الفعلى كان 900 لتر فقط لكل مكثف بسبب الخوف من الأعطال و لأن كل مكثف يستهلك كيلو جرام فحم مقابل لتر ماء, لذا اتفقت الشركة مع مصطفى عنانى بك صاحب مراكب الصيد ببحيرة المنزلة لجلب ما لا يقل عن 6 أمتار مكعبة يوميا من الماء مقابل 6 فرنكات للمتر فى حين أن تقطير المتر يتكلف 20 فرنك و كان يتم توزيع المياه على المنازل بواسطة الفلاحين.
ثم اتفقت الشركة مع محمد الجيار بك و هو احد كبار ملاك السفن فى بحيرة المنزلة لنقل المياه فى براميل و أقامت الشركة له خزانا ضخماً سعته 32 متر مكعب.
و لم تتحسن الحالة إلا فى عام 1866 حينما مد خط من الأنابيب من الإسماعيلية لبورسعيد و كان يوجد شبكة مواسير فى المدينة يختلف قطرها حسب أهمية الشارع و توجد حنفيات عامة فى مختلف الميادين و كان على المحافظة إمداد الحجاج بالمياه اللازمة لسفرهم و لوحظ أيضا كثرة المشكلات الناجمة عن قلة المياه بن السكان.
حفل افتتاح قناة السويس
دعا الخديوى اسماعيل أباطرة و ملوك العالم و قريناتهم لحضور حفل الافتتاح و الذى تم فى 16 نوفمبر 1869، وقد كان حفلا أسطوريا ووصلت الحفلة إلى مستوى فاق ما نسمعه عن حكايات ألف ليلة و ليلة.
كان طبيعيا أن تكون البداية هى الاهتمام بزى العساكر و خاصة العاملين بالجوازات و الصحة لأنهم فى طليعة المستقبليين للملوك كما روعى الاهتمام بنظافة المدينة و تم حث التجار على توريد الخضروات و اللحوم و الأسماك كبيرة الحجم لبورسعيد لمواجهة الطلبات المتزايدة كما روعى إحضار الثلج من القاهرة كذلك جهز عدد من السفن لإحضار المدعوين من الاسكندرية لبورسعيد.
وفى أوائل نوفمبر 1869 اخطر دى لسبس محافظة بورسعيد بأن الخديوى أذن فى بدء إعداد الزينات و على الفور تم إخلاء الشوارع و ترتيب العساكر اللازمين لحفظ الأمن و ضاقت بورسعيد بالمدعوين و كان الخديوى قد طلب من مد يرى الأقاليم ان يحضروا عدد من الاهالى بنسائهم و أطفالهم لحضور حفل الافتتاح فانتشروا على خط القناة من فلاحين و نوبيين و عربان بملابسهم التقليدية حتى أن الإمبراطورة أوجينى أبرقت إلى الإمبراطور نابليون الثالث بأن الاحتفال كان فخماً و أنها لم ترى مثله فى حياتها و مما زاد الأمر أبهة هو اصطفاف الجيش و الأسطول المصري فى ميناء بورسعيد بالإضافة لفيالقه على ضفاف القناة.
وأقيمت 3 منصات خضراء مكسوة بالحرير خصصت الكبرى للملوك و الأمراء و الثانية لليمين لرجال الدن الإسلامى و منهم الشيخ مصطفى العروسى و الشيخ إبراهيم السقا و الثالثة لليسار خصصت لرجال الدن المسيحى و جلس بالمنصة الكبرى الخديوى اسماعيل و مسيو دى لسبس الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا و فرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا و ملك المجر وولى عهد بروسيا و الأمير هنرى اخو ملك هولندا و سفيرا انجلترا و روسيا بالآستانة و الأمر محمد توفيق ولى العهد و الأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا و شريف باشا و نوبار باشا و الأمير عبد القادر الجزائرى و قد بلغ عدد المدعوين من ذوى الحيثيات الرفعة زهاء ستة ألف مدعو و حتى يوم 15 نوفمبر كان قد تم استدعاء خمسمائة طباخ من مرسيليا و جنوا و تريستا.
واصطف العساكر عند رصيف النزول لحفظ الأمن و منع الازدحام و كانت المراكب الحربية اصطفت على شكل نصف قوس داخل ميناء بورسعيد فى منظر بديع و بعد أن تناول الجميع الغذاء على نفقة الخديوى صدحت الموسيقى بالغناء و بعزف النشيد الوطنى الفرنسى و تلا الشيخ إبراهيم السقا كلمة تبريك و قام أحبار الدن المسيحى و أنشدوا نشد الشكر اللاتينى شارك فيه الإمبراطورة.
وفى المساء مدت الموائد و بها شتى أنواع الأطعمة و الخمور و انطلقت الألعاب النارية و التى تم استيرادها خصيصاً لهذا الغرض و تلألأت بورسعيد بأنغام الموسيقى.
ومن هذا يتضح مدى التكاليف الباهظة التى عانتها الخزانة المصرية بما فه من دعوات مجانية و تكاليف الطعام و الخمور و الإقامة و جولاتهم داخل البلاد و قد استخدم إسماعيل تلك المناسبة لإظهار مدى حضارة مصر و لمحاولاته إظهار مزيد من الاستقلالية عن الآستانة.
أثر نشأة ميناء بورسعيد على الموانى المصرية
تأثرت ميناء دمياط إيجابا لمدة 3 سنوات عندما كانت مكاتب شركة القناة بها فى دمياط ثم سلباً عندما انتقلت الشركة لمصر و تأثرت أعمال ميناؤها بالإضافة لميناء رشيد كما أدت إلى ازدهار مدينة الزقازيق حيث كان مكان تجمع العاملين الفلاحين فى حفر القناة و قام الخديوى اسماعيل بتوسعة ميناء الإسكندرية خوفاً عليها من مزاحمة بورسعيد.
و تفوقت بورسعيد أيضاً على السويس و الاسماعلية بالرغم من أن بورسعيد كانت تابعو فى البداية للإسماعيلية ربما لقربها من الدلتا و لإدارتها لشركة قناة السويس و لتوسطها مجرى القناة ألا أنها لم تجذب إليها الأجانب كما فى بورسعيد.