صلاح جديد (1929 - 1993) ضابط وسياسي سوري ، هو ضابط وسياسي سوري انضم إلى التشكيلات العسكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الخمسينيات وعرف بالمناورة والكتمان والقدرة على التنظيم والاستقطاب. كان عضوًا بارزًا في اللجنة العسكرية للحزب، التي أطاحت برئيس الجمهورية ناظم القدسي وحكومته في 8 مارس 1963م. [1].
وحين دب الخلاف بينه وبين القيادة القومية التي تقود السلطة في دمشق استطاع أن يبلور تكتلاً عسكريًا داخل الجيش، مناوئًا للقيادة القومية لحزب البعث. قاد انقلاب 23 فبراير عام 1966م، الذي عزل أمين الحافظ من رئاسة الدولة، وزج بأعضاء القيادة القومية في السجن. وسمي على أثره الدكتور نور الدين الأتاسي رئيسًا للدولة وأمينًا عامًا لحزب البعث، والدكتور يوسف زعين رئيسًا للوزراء، وعين صلاح جديد أمينًا قطريًا وأمينًا عامًا مساعدًا للحزب.
سعت سوريا في ذلك العهد إلى التحالف مع الاتحاد السوفييتي، ونشطت الحكومة في إنجاز بعض المشاريع الكبرى كسد الفرات.
وفي عام 1968م تجدد الصراع للسيطرة على الحكم بين جناحين متصارعين في حزب البعث هما جناح صلاح جديد الأمين القطري للحزب، وجناح حافظ الأسد وزير الدفاع السوري آنذاك.
وعلى إثر أحداث أيلول (سبتمبر) 1970م في الأردن أرسلت الحكومة السورية قطاعات عسكرية من الجيش السوري لدعم المقاومة الفلسطينية في المواجهة العسكرية مع الجيش الأردني، إلا أن حافظ الأسد، وزير الدفاع السوري آنذاك اعترض على التدخل العسكري السوري في الأردن، وأمر القوات السورية بالتراجع عن مواقعها. وكان ذلك مدعاة لتجدد الأزمة ضمن قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد انتهى عدم الاستقرار بقيام وزير الدفاع بحركة تصحيحية داخل الحزب وتسلمه الكامل للسلطة في نوفمبر 1970م، واعتقال صلاح جديد والعناصر البارزة في مجموعته. توفي صلاح جديد في السجن عام 1994م.
صفاته الشخصية
عرف عن صلاح جديد بأنه رجل غامض قليل الكلام ولا يتحدث إلاّ نادراً، وكان دوماً في صفوف المستمعين كي لا يخوض في النقاشات، إلاّ أنه كان يزن كلام الآخرين بعصبية هادئة، وهو يحرك اللعبة بالخفاء ويوجه الأمور لمصالحه الشخصية والطائفية لأنه يعرف ما يريد وما لا يريد، وكان سلاحه الهدوء والسكينة، ولا يظهر على وجهه أي انفعال. [2].
ليس لصلاح جديد أية مؤلفات أو أفكار حزبية مطبوعة أو أبعاد سياسية متداولة، وهو لم يقابل طوال فترة سيطرته على مقاليد الحكم أي صحفي، إذ كان يحاول تجنب الكتّاب والصحفيين والأدباء، حتى لا تطرح عليه أسئلة توضح حقيقة آرائه وأفكاره، لذلك عُرف بالشخصية البعثية الصامتة.
النشأة
ولد في محافظة اللاذقية في قرية إسمها دوير بعبدة وهي قرية فقيرة من قرى ريف جبلة ما تزال قائمة حتى الآن و قد شهدت الآن تطورا كبيرا وأغلب سكانها متعلمون ولد عام 1929.
الحياة السياسية
انتسب في أول الأمر إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي، وبعدها إنضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ، سجن في مصر لفترة قصيرة بعد إنفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام1961 ، وكان رجل يساري الميول.
كان من المشاركين في الانفصال البعثي عن الجمهورية العربية المتحدة في مارس 1963 كما انه قاد انقلاب 23 فبراير 1966 الذي عزل أمين الحافظ من رئاسة الجمهورية السورية وأتى بنور الدين الأتاسي.
تأسيس اللجنة العسكرية
إباّن الوحدة السورية المصرية كان صلاح جديد برتبة رائد في سرب للطيران الليلي، وقد نقل هذا السرب أواخر عام 1959م إلى مصر. وكان قد أصاب جديد وأربعة من رفاقه شعور بالصدمة والسخط ضد عفلق والبيطار، مؤسسي حزب البعث، اللذين اتخذا قرار حل الحزب سنة 1958م، وقرر جديد ورفاقه (محمد عمران ـ حافظ الأسد ـ عبد الكريم الجندي ثلاثة علويون وواحد إسماعيلي ويقال أن أحمد المير كان من مؤسسي اللجنة) أن يقيموا تنظيماً سرياً أطلقوا عليه اسم (اللجنة العسكرية)، وكانت أهدافهم الظاهرة هي: إعادة بناء حزبهم المشتت، ووصول حزب البعث إلى السلطة، ومن ثم النظر في أمر الوحدة العربية.
بعد الانفصال (28 أيلول 1961) أودع صلاح جديد وزملاؤه السجن في مصر، ثم أطلق سراحهم في عملية مبادلة مع مجموعة من الضباط المصريين المحتجزين في سورية، وصرفتهم القيادة العليا الجديدة ومجموعة من الضباط البعثيين من الجيش، فراح جديد ورفاقه يعملون بشكل جدي على توسيع التنظيم السري الذي بدأوه في القاهرة، وجرت اتصالات بينهم وبين عفلق مؤسس حزب البعث، إذ حصلوا منه على تعهد بدعمهم للقيام بانقلاب على حكومة الانفصال.
ساهم صلاح جديد بصفته واحداً من ضباط اللجنة العسكرية في انقلاب 8 آذار 1963م، واستطاع ورفاقه البعثيون الوصول إلى الحكم، والقضاء على كل مقاومة منظمة لحكمهم.
ورقي جديد إلى رتبة لواء في الجيش، وفي عام 1964م استقال منه وانضم إلى الجناح المدني، وأطلق عليه اسم الرفيق صلاح جديد، وفي مؤتمر حزب البعث في نيسان 1964م انتخب أميناً مساعداً للحزب، وكانت هذه أول مرة يصعد فيها بعثيون عسكريون إلى القيادة.
الانقلاب
بتاريخ 23 شباط 1966م قام صلاح جديد ورفاقه بالانقلاب على أمين الحافظ، فأمسك جديد بالسلطة وبات الجميع في الحزب والجيش والجهاز الحاكم من جماعته، علماً بأنه ظل محتفظاً بمنصبه الحزبي (الأمين العام القطري المساعد)، أماّ الواجهة الجديدة فكان رئيس الدولة نور الدين الأتاسي.
استطاع صلاح جديد بمهارته أن يخفي هويته الطائفية عن طريق استغلاله لجميع الخلافات القيادية، سواء العسكرية أو المدنية في حزب البعث، ليوظف كل ذلك في مصلحته، مع جميع الحزبيين كلٌ حسب طاقته وهوايته.
الصراع مع حافظ الأسد
بدأ التصادم بينه وبين حافظ الأسد قبل حرب حزيران 1967 ، ولكن إحتلال إسرائيل للجولان دفعه للتفكير في قيادة سوريا،وفي المؤتمر القطري الرابع في سبتمبر 1968 ، ظهر الصراع جليا بينه وبين حافظ الأسد. وتكتل الاتحاد الاشتراكي العربي مع الاشتراكيين العرب وحركة القوميين العرب والبعث العراقي في جبهة معارضة لحكم صلاح جديد ، وفي فترة القلاقل في الأردن في بداية السبعينات، تدخلت القوات البرية السورية في الأردن ، ولكن العملية فشلت ، فدعا صلاح جديد إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية في 30 أكتوبر لمحاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد، ولكن الأسد وفي 16 نوفمبر 1970قام بحركته "التصحيحية" ، فإعتقل صلاح جديد وآخرين.
تم سجنه في سجن المزة حوالي ثلاث وعشرون سنة ، وتوفي بعد خروجه من السجن في 19 أغسطس 1993 كان صلاح جديد رجل يساري الميول ، وكان يطرح مشروع سياسي لسورية اشتراكية ومتقدمة.
قصة وفاته
بالنسبة لصلاح جديد ' أبو أسامة ' ، في الواقع أنا (نزار نيوف) السجين الوحيد ـ ربما ـ الذي رآه وتحدث معه قبل وفاته بثلاث ساعات ونصف فقط ، إذا استثنينا رفاقه في القيادة السابقة الذين كانوا معه في غرفته.[3]
وتفصيل الأمر كما يلي : تم نقلي من سجن تدمر الصحراوي إلى سجن المزة العسكري ظهر يوم السبت 7 آب/ أغسطس 1993 .
وبالنظر لأن أمر الشعبة المذكورة كان يقضي بإبقاء سجني انفراديا ، لم يجد مدير السجن العقيد بركات العش سوى غرفة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور يوسف زعيّن ليضعني فيها ، وهي في الطابق الثاني . كانت الغرفة فارغة منذ إطلاق سراح زعين في العام 1981 ، وكان جرى تحويلها إلى مستودع .
أما جدار حمامها ومرحاضها فكان مشتركا مع حمام ومراحيض جناح القيادة السابقة ( صلاح جديد ، رئيس الأركان الأسبق اللواء أحمد سويداني ، ضافي الجمعاني ، كامل حسين ، عبد الحميد مقداد ،مصطفى رستم ، عادل نعيسة .. إلخ ) .
لم يكن صلاح يخرج إلى التنفس الصباحي أو المسائي مع رفاقه منذ 15 سنة خلت ، احتجاجا على الإهانة التي وجهها له ذات يوم أحد السجانين حين كان في التنفس يستمع إلى راديو ترانزستور في يده ، حيث طلب منه تخفيض صوته بعد أن وصفه بـ ' الحمار ' !
وكنت أغتنم الفرصة للحديث مع ' أبو أسامة ' ـ عبر فتحة صغيرة في الجدار المذكور ـ خلال وجود رفاقه في التنفس .
( طبعا لم يكن ذلك من وراء ظهورهم ، فهم من ساعدني من الطرف الآخر للجدار على إحداث ثقب بالقرب من فتحة يمر منها أنبوب توصيل المياه ، حيث يكون الجدار هشا ، ليؤمنوا الاتصال معي ومعرفة أحوالي من حين إلى آخر . وقد أرسلوا لي الكثير من المساعدات بالنظر لأن لم أكن مُزارا في حينه ) .
مساء 17 آب ، أي بعد وصولي إلى السجن بعشرة أيام ، وعند حوالي السابعة مساء ، كنت أتحدث معه .
لم يكن يشكو من أي مرض سوى الضعف البسيط الناجم عن الاعتقال الطويل وسنه المتقدمة ( 67 عاما ) ، وبعض الآلام في الجهاز البولي من حين إلى آخر ، كما فهمت منه ومن عادل نعيسة وضافي الجمعاني و من العقيد بركات لاحقا. وبتعبير آخر : لم يكن يعاني أي مرض يمكن أن يؤدي إلى الموت أو حتى إلى العجز ولو جزئيا .
بعد حوالي ساعة على انتهاء التنفس ، جاء طبيب السجن ، برفقة أطباء آخرين من خارج السجن (؟) ، والعقيد بركات ، وأخذوه .
وقد رأيته بأم عيني من نافذة زنزانتي ( الواقعة فوق ديوان السجن مباشرة ، والمطلة مباشرة على البهو الداخلي للسجن المؤدي بدوره إلى بابه الرئيسي الداخلي) يمشي مع الأطباء والمدير بشكل طبيعي .
وقد علمت لاحقا من مدير السجن ( الذي أصبحت علاقتي به ممتازة في السنوات اللاحقة ، إذ كان يحرص على تقديم نفسه كتلميذ لإلياس مرقص خلال دراسته الثانوية ، وعلى تمييز المعتقلين اليساريين إيجابيا ، وقد سرّح تعسفيا من الجيش صيف العام 2000 بعد اتهامه بتقديم مساعدة وتسهيلات ' غير قانونية ' لي !) بأنه نقل صلاح إلى مشفى المزة العسكري بسيارته المرسيدس الخاصة على خلفية شكواه نفسها ( كريزا في الجهاز البولي ) .
وأجزم أنه كان صادقا .... فقد كان يحترمه جدا ، ويحرص دائما على مخاطبته بـ ' سيدي اللواء ' .
أنظمة السجون والمخابرات لا تمنح مدير أي سجن عسكري صلاحية نقل أي سجين مريض ، أيّا كان ، سوى إلى المشفى الذي يتبع له السجن ( مشفى المزة العسكري ، 601 ، بالنسبة لسجن المزة ، ومشفى التل العسكري بالنسبة لسجن صيدنايا ) .
وفي حال قضى الوضع الصحي للسجين /المريض نقله إلى مشفى تشرين العسكري ( الأكثر تطورا) ، فإن الأمر يحتاج إلى موافقة الجهة المسؤولة عن اعتقال السجين ( مخابرات عسكرية ، مخابرات جوية ، أمن دولة ... ) . وبالنسبة لصلاح ورفاقه تحديدا ، كان نقل أي منهم يقتضي موافقة رئيس شعبة المخابرات العسكرية شخصيا أو مساعده .
وفي حالة الطوارىء العاجلة ، كان الأمر يحتاج لاتصال هاتفي فقط . ( في الحالة غير العاجلة يقتضي الأمر توجيه طلب عبر البريد الرسمي للسجن ) .
ما قاله لي العقيد بركات لاحقا هو التالي على نحو شبه حرفي :
"بعد أن أوصلته إلى مشفى المزة بسيارتي ، وليس بسيارة اللاندروفر المرهقة له وغير اللائقة به ، قال الطبيب إنه بحاجة لنقل إلى مشفى تشرين العسكري. فأجريت الاتصالات اللازمة من أجل الموافقة ، وبعد قليل جاءت سيارة من شعبة المخابرات ونقلته إلى تشرين ، فلم يكن من صلاحيتي نقله إلى هناك."
وقد توفي بعد وصوله إلى مشفى تشرين بقليل . وكانت حوالي منتصف ليلة 17 / 18 آب ' . وهذا يعني أنه توفي وهو رهن الاعتقال ، بعكس ما نشر في الإعلام لاحقا ، حيث قيل ' إنه توفي بعد صدور أمر بإطلاق سراحه ' . وهذا لا أساس له من الصحة .
هل جرى تسميمه حسب بعض المعلومات المتداولة ؟
ليس ثمة أي دليل على ذلك ، خصوصا وأنه لم يجر أي تشريح للجثة ، ولم يذكر ذووه وجود أي عرَض من أعراض التسمم على جثمانه .
ولكن من المؤكد أنه قتل عمدا . والأرجح خنقا بواسطة فصل الأوكسجين عن جهاز التنفس الذي وضع له 'دون مبرر ' كما أخبرني المقدم الطبيب المخبري ' أ. ج . ح ' في مشفى تشرين العسكري قبل يومين من إطلاق سراحي بتاريخ 6 أيار / مايو 2001.
وطبقا لأدق المعلومات المتوفرة ، فإن من نفذ الجريمة هم زبانية مصطفى طلاس شخصيا ..... فمن المعروف أن طلاس كان يكن له كرها وحقدا أعمى ..... وكان يحرص دوما خلال خطبه وأحاديثه العلنية العامة ( أحدها نشر في الصحف الرسمية) على شتمه والقول عنه حرفيا إنه ' كان يحارب الناس في أرزاقهم وأخلاقهم ' ، في إشارة إلى راديكاليته في عمليات التأميم وملاحقة الفاسدين وطهرانيته ' المتطرفة ' ، وفي وقوفه وراء العديد من كراريس التثقيف السياسي الصادرة عن القيادة القومية والقطرية ، والتي كان ينشر من خلالها مفاهيم المادية التاريخية ، والإلحاد الماركسي ، وبقية أقانيم المعرفة الماركسية وتراثها الفكري والنقابي ، فضلا عن نظريات غيفارا وماوتسي تونغ في حرب العصابات والحرب الشعبية ....
وقد قرأت بنفسي العديد من هذه الكراريس التي كان يحتفظ بها والدي في مكتبة المنزل .
هل كانوا 'مضطرين ' لقتله ، وفي ذلك الوقت بالضبط ؟
أعتقد نعم ..... فقد كانت السلطة قد اتخذت عمليا قرارا بإطلاق سراح من تبقى من القيادة السابقة ( كانوا 17 سجينا على ما أذكر ) .
ولم يكن بإمكانهم إطلاق سراحه معهم للأسباب التي تعرفها ويمكنك تقديرها ، لاسيما وأن حافظ الأسد لم يكن ليقبل بوجوده حرا طليقا وهو على رأس السلطة ، إلا إذا أعلن ولاءه له ، أو التزم الصمت.
وهذا كان مستحيلا ، كما يستشف من المساومات التي حاول النظام فتح بازارها معه.
فقد كان لا بد من التخلص منه .... وهذا ما حصل .
وقد جرى إطلاق سراحهم تباعا بعد بضعة أشهر من وفاته !
هذا بالتفصيل ما أعرفه عن القضية وبمنتهى الأمانة ."
المصادر
- ^ صلاح جديد. الموسوعة المعرفية الشاملة.
- ^ صلاح جديد. مركز الشرق العربي للدرسات الاستراتيجية والحضارية.
- ^ رسالة إلكترونية من نزار نيوف إلى أسعد أبو خليل في 2008-09-30
- (الصراع على الشرق الأوسط) باتريك سيل.
- (الموسوعة التاريخية الجغرافية) مسعود الخوند، لبنان، 1997، الجزء العاشر، ص(201ـ 205)، ص(219 ـ 220) .
- [ ذاكرة عربية للقرن (1900ـ 2000) حسن السبع، المركز العربي للمعلومات، بيروت، 2000، ص(105) ] .
- (موسوعة السياسة) عبد الوهاب الكيالي وآخرون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، الطبعة الأولى، 1983، الجزء الثالث ص(639) .
- (دولة البعث وإسلام عفلق) مطيع النونو، الطبعة الأولى، 1994 ص(215ـ 219) (227ـ 236)