Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, June 8, 2010

الافغان




أفغانستان من البدايه الى النهايه المفتوحه


أفغانستان من البدايه الى النهايه المفتوحه

لم يكن للبلاد التي تحمل اليوم اسم أفغانستان وحدة سياسية أو هوية قومية قبل تأسيس حكم الأفغان في أواسط القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي وكانت الأقسام المتعددة في تلك البلاد تسمى بأسماء مختلفة.

تحددت حدود أفغانستان الحالية في القرن التاسع عشر 1885م نتيجة للاتفاقية التي عقدت بين بريطانية وروسية القيصرية رغبة في تخفيف حدة الأخطار الناجمة عن تنافس هاتين القوتين. وأصبحت أفغانستان دولة حاجزة، وأدى هذا إلى إيجاد ممر وخّان Wakhãn. وقد كان لموقعها تأثير فعّال في تاريخها.

يرد أول ذكر لكلمة أفغان عند الفلكي الهندي فاراهميهرا Varãhamihira في القرن السادس الميلادي، وتعني كلمة أفغان بالمعنى الضيق القبائل التي تتحدث بلغة الباشتو Pashto أوPushtoالذين كانوا يقطنون جبال سليمان في شمال غربي باكستان على حدودها مع أفغانستان.

البدايات التاريخية حتى الفتح الإسلامي

كانت أفغانستان معبراً للغزاة وبناة الامبراطوريات، سيطر عليها الأخمينيون في القرن السادس ق.م ووطد داريوس الأول الكبير (522- 486ق.م) سلطته على مناطق آرية Aria(هراة) وباكتريةBactria (بلخ) وساتاغدية Sattagydia (غزنة حتى السند) وأراكوسية Arachosia (قندهار) ودرنغيانا Drangiana (سجستان)، وتمكن الاسكندر المقدوني مابين 336 و330ق.م من أن يقضي على الأخمينيين وأن يسيطر على المناطق التي كانت تابعة لهم. وبعد موت الاسكندر (323ق.م) دخلت المنطقة ضمن نفوذ السلوقيين، وفي سنة 322ق.م سيطر شاندرا غوبتا موريا Chandragupta Maurya، الذي أسس السلالة المورية في الهند، على شمال الهند، وبعد أن هزم سلوقس 305ق.م سيطر على ولايات أفغانستان الشرقية، وفي سنة 250 ق.م استقل حاكم باكترية اليوناني ديودوتسDiodotus عن السلوقيين وأسس مملكة مستقلة، امتدت سنة 180ق.م لتشمل منطقة كابل وشمال غربي الهند، وفي القرن الأول الميلادي ظهرت فئة تعرف باسم الكوشان Kushãn وهي قوة غازية سيطرت على شمال الهند، ووصلت سلطة الكوشان الذروة في عهد كانيسكا Kaniska (78- 144م) إذ امتدت دولته من منطقة ماثورا Mathuraإلى كابل، ومن باكترية إلى حدود الصين، إلا أن هذه الدولة لم تعش طويلاً بعد كانيسكا وإن ظل أمراء من الكوشان يحكمون ولايات متعددة. وفي القرن الرابع الميلادي، تعرضت هذه الدولة لتحديات متزايدة من إيران، وفي النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، تعرضت المنطقة لغزو الهياطلة الذين تحطمت قوتهم عندما تحالف الأتراك الغربيون القادمون من آسيا الوسطى مع كسرى أنو شروان (565م)، واستمر حكم الأتراك حتى هُزموا أمام الصينيين (658م) في الحقبة نفسها التي بدأ العرب فيها فتوحاتهم في المنطقة.

السلالات الإسلامية الأولى

بدأت صلات العرب بمناطق أفغانستان منذ العهد الراشدي، لأنه عندما استولى العرب في عهد الوالي عبد الله بن عامر (29- 36هـ) على منطقة هراة استولوا على ذلك الربع من خراسان المعروف اليوم بأفغانستان، كما وصل الأحنف بن قيس سيد بني تميم إلى بلخ حاضرة طخارستان، وقد ترك العرب للحكام المحليين في هراة وبلخ وكابل أمر الإدارة المدنية مع الاعتراف بسلطان العرب. ولم تختف السلالات غير الإسلامية من كابل إلا في القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين). وشهد هذان القرنان ضعف سلطة الخلافة العباسية في هذه المناطق النائية من جهة وظهور عدد من السلالات الإسلامية المحلية التركية والإيرانية من جهة أخرى، كان أقدمها الطاهرية[ر] (205- 259هـ/ 821- 873م) التي كانت تسيطر على بلخ وهراة من مركز حكمها في خراسان، ثم تلتها السلالة الصفارية[ر] (254- 289هـ/ 868- 902م)، فقد قام يعقوب بن الليث الصفار بسلسلة من الحملات السريعة على أفغانستان، أما في الشمال، فإن الأمراء المحليين أصبحوا موالين للسامانيين (261-389هـ/ 874- 999م) الذين ازدهرت في عهدهم بخارى وسمرقند وبلخ.

وفي منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) استولى ألبتكين التركي على غزنة من حاكمها وأسس لنفسه إمارة، ثم خلفه على حكمها سبكتكين الذي مد سلطانه إلى كابل والسند، وفي سنة 388هـ/ 998م وصل محمود الغزنوي بن سبكتكين إلى الحكم، فنجح في مد سلطانه على كل أفغانستان الحالية، كما سيطر على البنجاب، والمُلتان، ووصلت حملاته إلى قلب الهند، وأصبحت غزنة مدينة مزدهرة، كما ازدهرت العاصمة الثانية بُست المجاورة للشكرغاه Lashkar Gâh الحالية.

لم يكن محمود الغزنوي قائداً كبيراً ورجل سياسة فحسب، وإنما كان كذلك راعياً وحامياً للعلوم والفنون والصناعات النفيسة، وضم بلاط غزنة شعراء وأدباء كباراً كالعُنصري والعَسْجَدي والفِردوسي والبُستي والعُتبي صاحب كتاب «اليميني»، وازدانت غزنة في ذلك القرن بالقصور والمساجد والمباني الراقية وجداول المياه مما لايضاهيها فيه بلد آخر.

لم يكن أحد من خلفاء محمود يتمتع بمثل قوته واقتداره، فبدأت الدولة في عهدهم بالتداعي، وهاجم علاء الدين حسين الغوري (547هـ/ 1152م) غزنة ونهبها وأخرج الغزنويين منها إلى الهند، ونجح محمد الغوري ابن أخي علاء الدين (571هـ/ 1175م) في غزو الهند، وبعد وفاته سنة 603هـ أصبح قائده قطب الدين أيبك أول سلطان من سلاطين دهلي (دلهي اليوم).

بعد وفاة محمد الغوري انهارت امبراطورية الغوريين، واحتل السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه[ر] أفغانستان، وامتد سلطانه من الصين وتركستان في الشرق إلى حدود العراق في الغرب، وتوجه سنة 616هـ/ 1219م بجيشه نحو بغداد، ولكنه اضطر للعودة حينما بلغه أن جحافل المغول بقيادة جنكيزخان قد هاجمت الأجزاء الشرقية من امبراطوريته، وأن المغول استولوا على بعض المدن المهمة في منطقة ما وراء النهر، ناشرين الموت والدمار. وعلى الرغم من أن جيشه كان يتألف من أعداد كبيرة جداً من الفرسان فإنه عجز عن الوقوف أمام جحافل المغول، وتراجع إلى جزيرة منعزلة في بحر قزوين حيث توفي سنة 617هـ/ 1220م. وقد حاول ابنه جلال الدين مُنكَبِرتي أن يقود حرب تحرير ضد جنكيزخان، واتخذ غزنة مركزاً قيادياً، وحشد سكان الجبال الأفغانيين. واستطاع أن يحقق انتصاراً باهراً في معركة بَرَا ونداره Para Wandarah قرب كابل، فعاد جنكيزخان من هراة لينتقم لهذه الهزيمة، وضرب الحصار على باميان التي كانت لها أهميتها الاستراتيجية العظيمة في الهندوكوش، وعندما استولى على قلعتها أمر أن يُقتل الجميع وهُدمت المدينة، ثم توجه إلى غزنة وانتصر على جلال الدين الذي تراجع نحو الهند (618هـ/ 1221م)، وعاد جنكيزخان إلى أفغانستان ليعاقب الأفغانيين على مقاومتهم، وحوّل المنطقة كلها مابين هراة إلى بلخ وقندهار وغزنة إلى قفار.

بعد وفاة جنكيزخان (625هـ/ 1227م) تداعت امبراطوريته، ونجح بعض الزعماء الأفغان المحليين في تأسيس إمارات مستقلة، كما اعترف بعضهم الآخر بسيادة أمراء من المغول. واستمر هذا الوضع حتى نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) حينما هاجم تيمورلنك قسماً كبيراً من البلاد وكرر فظائع الغزو المغولي، وإن كان على نطاق أصغر، إلا أن التيموريين خلفاء تيمورلنك كانوا حماة للثقافة والفنون. كما أنهم أغنوا مدينتهم هراة بالمباني الجميلة، وتمتعت أفغانستان في أثناء حكمهم (807- 913هـ/ 1404- 1507م) بالهدوء والازدهار.

في أوائل القرن العاشر الهجري /السادس عشر الميلادي، قوي أمر الأوزبك وهم من الشعوب التركية في آسيا الوسطى بقيادة محمد خان شيباني الذي دخل هراة مظفراً (913هـ/ 1507م). وكان بابرbãbur مؤسس امبراطورية المغول في الهند مسيطراً على كابل آنذاك، فلما هاجم إسماعيل الصفوي (916هـ/ 1510م) محمد خان الشيباني وحاصره في مرو وقتله، استغل بابُر الفرصة ليوطد سلطانه في آسيا الوسطى، ولكنه هُزم وتراجع إلى كابل التي جعلها مركزاً عسكرياً تنطلق منها حملاته نحو الشرق والجنوب، فاستولى على قندهار (929هـ/ 1522م) ثم وجه اهتمامه نحو الهند، واستطاع بعد سلسلة من الحملات أن يستولي على البنجاب، ثم توجه إلى دهلي (933هـ/ 1526م) وهزم إبراهيم آخر فرد من سلالة ملوك الأفغان في الهند في بانيبات (128 كم) Panipat إلى الشمال من دهلي وأسس امبراطورية المغول، وحينما توفي بابر (937هـ/ 1530م) نقل جثمانه استجابة لطلبه من أغرا Agra إلى كابل حيث دفن في حديقته المفضلة.

وفي المئتي سنة التالية سيطر المغول على المناطق الواقعة جنوبي هندوكوش، في حين سيطر الصفويون[ر] على هراة وفرح Farah، أما قندهار فبقيت موضع نزاع بين الطرفين.

تاريخ أفغانستان الحديث

يبدأ تاريخ أفغانستان الحديث مع ازدياد المقاومة الأفغانية ضد الفرس، ففي سنة 1709م نجح ميرويس خان Mir Veys Khan زعيم قبيلة هوتاكي غلزائي Hotaki Ghilzay في أن يقود ثورة على حاكم قندهار الفارسي حيث قتل كل الفرس الموجودين فيها، وفي سنة 1716م تمكن الأبدال في هراة بقيادة زعيمهم أسد الله خان من تحرير ولايتهم، وفي سنة 1722م قاد محمود بن ميرويس خان الأصغر جيشاً مؤلفاً من 20 ألف مقاتل ضد أصفهان. فلم تستطع حكومة الصفويين المقاومة، واستسلمت بعد حصار دام ستة أشهر، وعمد محمود مباشرة إلى تنظيم الإدارة والاقتصاد، ولكنه توفي سنة 1725م، فخلفه ابن عمه أشرف الذي واجه صعوبات متعددة في إيران، فقد بدأ الروس يزحفون من الشمال، والأتراك العثمانيون من الغرب، ومما زاد الأمور تعقيداً، الصراعات الداخلية بين الزعماء الأفغان، ومع ذلك نجح أشرف في إيقاف التقدم الروسي في دربند سنة 1726م، وأوقع هزيمة ساحقة بالأتراك، ولكنه لم يستطع أن يقف في وجه الزعيم نادر قولي بك الذي هاجم طوس، متوجهاً بعدها إلى مشهد وهراة، وهُزم أشرف عند دامغان في 2 تشرين الأول سنة 1729م، ثم لم يلبث أن اغتاله زعيم من البلوج Baluchi في أثناء تراجعه. وفي سنة 1732م استولى نادر قولي بك على هراة على الرغم من المقاومة العنيفة، وبعد أن انتخب شاهاً لإيران سنة 1736م، توجه في السنة التالية بجيش ضخم (80 ألف) نحو قندهار، واستسلمت المدينة بعد حصار دام سنة، ومن ثم اصطدم مع امبراطورية المغول في الهند، فاستولى على غزنة وكابل، وتوجه بعدها إلى الهند، وانتصر على المغول سنة 1739م، وفي أثناء عودته عبر أفغانستان إلى إيران، اغتيل في خابوشان Khabushan سنة 1747م.

تداعت امبراطورية نادرشاه إثر وفاته، ودخل أحمد خان الأبدالي مع فرقة مؤلفة من 4000 من الأفغان قندهار، وانتخب ملكاً سنة 1747م من قبل مجلس قَبَلي، فغير أحمد شاه الاسم القَبَلي من أبدالي إلى دُرَّاني، وبرهن بسرعة على أنه حاكم قدير استطاع أن يحظى بمحبة شعبه، وأن يجعلهم أمة قوية، وتمكن في 25 سنة من أن يحرر أفغانستان من الحكم الأجنبي، وأن يقود جيوشه من مشهد إلى كشمير ودهلي، ومن جيحون إلى بحر العرب، وحظي، نتيجة لشمائله الطيبة ومزاياه الأخرى إضافة إلى شجاعته الخارقة، باسم بابا (bãbã) أي والد الأمة.

توفي أحمد شاه سنة 1773م فخلفه ابنه تيمور الذي لم يحظ إلا بالولاء الاسمي من الزعماء الإقطاعيين، وأمضى مدة حكمه في قمع ثوراتهم، وحينما أحس بكره الشعب له في قندهار نقل العاصمة إلى كابل. بعد موت تيمور سنة 1793م، بدأ نفوذ أسرة البَرَكزائي Barakzai بالازدياد، حينما دعم باينداخان أحد زعمائهم زمان بن تيمور الخامس، وأوصله إلى العرش، ولما سجن زمان في قلعة بالاحصارBala Hissar وأصبح أخوه محمود حاكماً، ترك أمر الدولة في يد وزيره فتح خان، ولكن بعض الزعماء الذين كانوا يناوئون محموداً ووزيره، جمعوا قواتهم، ودعوا شقيق زمان شجاع الملك إلى كابل، وأدى استمرار التنافس بين الأخوين إلى اضطراب الأوضاع وازدياد نفوذ البَرَكزائيين على الرغم من الاعتداءات المتكررة لإقصائهم من مواقعهم، وحين سُمِلت عينا فتح خان ثم أُعدم، ثار إخوته وعددهم واحد وعشرون بمن فيهم دوست محمد الذي سار سنة 1818 واستولى على بيشاور وكابل. ووزعت أفغانستان بين الأخوة من آل بركزائي. وعانت أفغانستان كثيراً في أثناء الفوضى التي أعقبت هذا النزاع، فاستولى حكام بخارى على بلخ، واستولى السيخ على الولايات الأفغانية لنهر السند واستقلت ولايات الأطراف، السند وبلوجستان، واستولى دوست محمد على غزنة وكابل وجلال أباد، وأصبح أقوى رجل من البركزائي، وأسس مايُسمَّى سلالة محمد زائي Mohammad Zai وبعد أن وطد سلطانه في كابل، قرر استعادة بيشاور من السيخ معلناً الجهاد، فانضم إليه جيش من المسلمين (1836م) ولكن السيخ نجحوا في نثر بذور الخلاف في جيشه، فتفرق الجيش وخسر الأفغان بيشاور.

وفي تشرين الثاني 1837م حاصر شاه إيران «محمد شاه» هراة التي كان البريطانيون يعدّونها مفتاح الهند، ودعم الروس الفرس، مما حفز البريطانيين لخوفهم من ازدياد النفوذ الروسي في إيران إلى إرسال بعثة بريطانية برئاسة السير ألكسندر بيرنز Alexander Burnes استقبلها دوست محمد في كابل، ولكن البعثة أخفقت في مهمتها عندما رفض بيرنز إعطاء دوست محمد تأكيدات بمساعدته في استعادة بيشاور، وأمر حاكم الهند البريطاني بشن هجوم على أفغانستان بهدف إعادة شجاع الملك إلى العرش. ونجح البريطانيون بالدخول إلى قندهار وتتويج شجاع الملك في المسجد المجاور لضريح أحمد شاه، كما استولوا على غزنة وكابل مابين تموز وآب 1840 حيث توج شجاع الملك ثانية، ولكن الأفغانيين لم يكن لديهم الاستعداد لتحمل احتلال أجنبي، أو قبول ملك مفروض عليهم من قبل سلطة أجنبية، لذلك اندلعت الثورات، وتمكن دوست محمد من أن يهرب من سجنه ويعود إلى أفغانستان ليقود مناصريه على البريطانيين، ومع أنه انتصر عليهم في 2 تشرين الثاني 1840 في بَروانداره فإنه استسلم في اليوم التالي للبريطانيين في كابل حيث عاملوه باحترام ونقلوه إلى الهند مع القسم الأكبر من أسرته، ولكنهم سمحوا له بالعودة بعد مقتل شجاع الملك واستمر دوست محمد في الحكم حتى وفاته عام 1863م واستطاع في سنوات حكمه أن يستعيد قندهار، ومزار شريف، وكاتغانKataghan وهراة.

وفي 21 تشرين الثاني 1878 دخلت الجيوش البريطانية الممرات الثلاثة المؤدية إلى أفغانستان عندما رفض شير علي الابن الثالث لدوست محمد استقبال بعثة بريطانية في حين استقبل بعثة روسية، واستولى البريطانيون على جلال أباد وقندهار، وحينئذ توجه شير علي إلى روسية ساعياً إلى الحصول على المساعدة، ولكن روسية نصحته بمصالحة الإنكليز. وبعد أن توفي شير علي في 21 شباط 1879م اعترف الإنكليز بموجب معاهدة غاندماك (26 أيار 1879) Gandamak بيعقوب خان ابن شير علي أميراً على أفغانستان، وتم الاتفاق على وجود سفارة دائمة للبريطانيين في كابُل، وأن تكون علاقاته الخارجية مع الدول الأخرى متفقة مع رغبات الحكومة البريطانية ومصالحها. ومقابل هذه الامتيازات وعدت الحكومة البريطانية بمنح المساعدة لمجابهة أي اعتداء خارجي على أفغانستان. ولكن هذا الانتصار البريطاني كان قصير الأمد، ففي الثالث من أيلول 1879 اغتيل المندوب البريطاني ومرافقه في كابل، وأرسلت قوات بريطانية احتلت كابل ثانية، وأُجبر يعقوب خان على التنازل، واعترف البريطانيون بمحمد عبد الرحمن خان، حفيد دوست محمد أميراً على كابل. فلما توفي سنة 1901 خلفه ابنه الأكبر حبيب الله خان، وفي عهده دشنت المدرسة الحبيبية كما شقت الطرق، واتُخذت إجراءات لإدخال الآليات والوسائل الحضارية الحديثة، وظهرت جريدة أسبوعية بالفارسية «سراج الأخبار» كان لها أثرها المهم في اليقظة القومية، وفي شباط 1919 طلب حبيب الله من المندوب البريطاني في الهند الاعتراف بحرية أفغانستان واستقلالها المطلق في مؤتمر باريس، ولكنه اغتيل في ليلة 20 شباط 1919 في معسكره في كالاغوش قرب جلال أباد، فاستولى ابنه أمان الله على الحكم، وأعلن نفسه ملكاً. وأعلن استقلال أفغانستان. ونظراً لأن حكومة الهند تلكأت بالاعتراف بهذا الاستقلال، فقد نشبت حرب ثالثة بين أفغانستان وبريطانية، وحينما وقع السلم في راولبندي Rawalpindi في الثامن من آب 1919 اعتُرف باستقلال أفغانستان، وأقام أمان الله علاقات دبلوماسية مع العالم الخارجي، كما تابع منهاج والده الإصلاحي. وفي عهد نادر خان، ابن عم أمان الله (1929- 1933) أُنشئت مدارس جديدة، وأكاديمية أدبية، وكلية عسكرية، وأخرى طبية. وأرسل بعض الطلاب الأفغان إلى الخارج لمتابعة دراستهم العليا، وحينما اغتيل نادرخان في أثناء توزيعه الجوائز لطلاب المدارس في 8 تشرين الثاني 1933، خلفه ابنه الأوحد محمد ظاهر الذي تابع سياسة والده في تثبيت كيان أفغانستان القومي.

وفي سنة 1956 وضعت خطة خمسية لتحسين الطرق ووسائل المواصلات ولتطوير المناجم والصناعة والثقافة والزراعة، واضطرت أفغانستان من أجل تمويل هذه المشاريع، إلى توقيع اتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كما أنها استقدمت الخبراء الأجانب وشركات البناء والمختصين لمساعدة الأفغانيين في تنفيذ منهاجهم التقدمي، وفي سنة 1961 وضعت خطة خمسية ثانية لتطوير المواصلات والصناعة الثقيلة مع اعتماد ملحوظ على المساعدة الأجنبية، ولاسيما على الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. ولأن الحكومة الأفغانية بدأت تشعر بالخطر المحدق بها نتيجة لهذه المساعدات الضخمة التي قد تخلق ضغطاً يهدد استقلالها، فقد تبنت في سنة 1963م سياسة خارجية أكثر مرونة، فأُعيدت العلاقات الدبلوماسية مع باكستان، بعد أن كانت قد انقطعت سنة 1961، وبقيت علاقتها مع الاتحاد السوفييتي رسمية وودية، كما قبلت المساعدة من الصين ومن الولايات المتحدة وبريطانية وألمانية الغربية وفرنسة والسويد والبنك الدولي.

وفي سنة 1964م أُعلن الدستور الجديد الذي وافق عليه مجلس أعلى يضم كل الزعماء والأشراف، وبموجب هذا الدستور، أصبحت الملكية في أفغانستان دستورية وأضحى هناك فصل كامل وواضح بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

استمر الحكم ملكياً دستورياً حتى تموز 1973 حينما أُعلن النظام الجمهوري في أفغانستان نتيجة انقلاب غير دموي، قاده الجنرال محمد داود خان، بينما كان الملك محمد ظاهر شاه يقوم بزيارة إلى إيطالية، وأصبح داود خان رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء.

وفي 27 نيسان 1978، حدث انقلاب دموي يساري أدّى إلى مقتل داود خان ومعظم أفراد أسرته، وأصبحت أفغانستان جمهورية ديمقراطية، وأبرمت اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي وانتخب نور محمد تراكي رئيسا للمجلس الثوري. ورئيساً للوزارة وأميناً عاماً لحزب الشعب الأفغاني الديمقراطي. وانتخب بابْرَاك كرمال زعيم حزب برشام Parcham وحفيظ الله من زعماء حزب الخَلق، نائبين لرئيس الوزراء، وقد أكد زعماء الحكومة الجديدة أنه لا سيطرة للاتحاد السوفييتي على حكومتهم، وأعلنوا سياستهم القائمة على المبادئ الإسلامية، والقومية الأفغانية، والعدل الاجتماعي والاقتصادي، والاحترام لكل الاتفاقات والمعاهدات الموقعة سابقاً من الحكومات الأفغانية، وفي 28 آذار 1979م أصبح حفيظ الله رئيساً للوزارة، واحتفظ تراكي بمناصبه رئيساً للمجلس الثوري، وأميناً عاماً لحزب الشعب الأفغاني الديمقراطي، ولكن الثورات التي كانت قد بدأت عندما أعلنت حكومة تراكي منهاجها الإصلاحي، اتسعت واستمرت، وانهار الجيش الأفغاني، مما دفع حكومة حفيظ الله أمين إلى طلب العون المتزايد من الاتحاد السوفييتي الذي أرسل خبراء وأسلحة وإمدادات، وقُتل تراكي في مواجهة مسلحة مع أنصار حفيظ الله أمين في 14 أيلول 1979م.

وحاول أمين أن يوسع قاعدة الدعم الداخلي، وأن يثير اهتمام باكستان، والاتحاد السوفييتي بأمن أفغانستان. وعلى الرغم من جهوده فإن الروس بدؤوا هجومهم على أفغانستان في ليل 24 كانون الأول 1979، وقتل أمين وكثير من أتباعه في 27 كانون الأول 1979. وعاد بابْراك كرمال إلى أفغانستان من الاتحاد السوفييتي رئيساً للوزارة ورئيساً لمجلس الثورة وأميناً عاماً لحزب الشعب الأفغاني الديمقراطي، ولكنه اصطدم بمعارضة شديدة وقامت المظاهرات في وجهه، وتفاقمت أعمال العنف سنة 1980م وخاضت القوات السوفييتية حرباً ضروساً استمرت نحو تسع سنوات تكبدت فيها نحو 15 ألف قتيل. وفي 14 نيسان 1988 تم التوقيع في جنيف وبإشراف الأمم المتحدة على انسحاب القوات السوفييتية وإقامة حكومة أفغانية محايدة وإعادة اللاجئين، بيد أن المجاهدين رفضوا الاتفاق وصمموا على متابعة القتال في حين تابع السوفييت الانسحاب من جانب واحد وأتموه في 15 شباط 1989، وظل الصراع محتدماً بين فصائل المجاهدين بزعامة صبغة الله مجددي رئيس مجلس الشورى والحكومة المؤقتة من جهة وقوات الحكومة بزعامة محمد نجيب الله من جهة أخرى.

وبعد محاولة انقلاب غير ناجحة في آذار 1990 وتخلي نجيب الله عن منصبه ولجوئه إلى الأمم المتحدة خلا الجو لفصائل المجاهدين من أجل السيطرة على كامل البلاد، لكن الأمور ساءت من جديد وتجدد الصراع بين المجاهدين أنفسهم من أجل السلطة ومازال مستمراً على الرغم من المحاولات الجادة التي تبذل لإعادة الهدوء والاستقرار إلى البلاد.

نظام الحكم والإدارة

ظلت أفغانستان ملكية حتى انقلاب تموز 1973 العسكري وغدا النظام جمهورياً ديمقراطياً يرأسه رئيس للجمهورية يساعده مجلس للوزراء. وفي عام 1987 أدى الصراع على السلطة إلى إقرار دستور جديد ينص على بقاء أفغانستان جمهورية إسلامية يكون فيها مجلس الثورة السلطة الأعلى في البلاد إلى جانب مجلس للشورى يمثل الاتجاه الإسلامي.

وتقسم أفغانستان إدارياً إلى 31 وحدة إدارية تسمى «ولايات» تضم وحدات أصغر تدعى «وَلِس والي». وكانت أعداد هذه الولايات عرضة للتغيير أكثر من مرة، ولكل ولاية حاكم يعينه مجلس الثورة ورئيس البلاد وهو برهان الدين رباني منذ عام 1993. وتعيش البلاد اليوم صراعاً بين قوات طالبان الحاكمة والفئات المعارضة التي تراجع دورها منذ عام 1998.

الأوضاع الحضارية والثقافية

ظهرت المعالم الحضارية الأولى في أفغانستان مع ظهور إنسان العصر الحجري الذي اكتشفت آثاره في مواقع كثيرة، وكذلك أنجبت بَلْخ (أم المدن) زرادشت مؤسس الديانة الزرادشتية التي كانت الديانة الرسمية للأخمينيين والساسانيين، وابن سينا أشهر علماء الإسلام في القرن الخامس الهجري/ العاشر الميلادي. وكانت أفغانستان ملتقى الكثير من الشعوب والحضارات والأديان كالزرادشتية والبوذية والإسلامية التي خلفت آثارها المادية والفكرية في العمارة والفن واللغة والأدب والحياة الاجتماعية وغيرها. ولقد تراجعت معظم المؤثرات الحضارية والثقافية القديمة بعد انتشار الإسلام في البلاد وقيام دول إسلامية قوية فيها منذ القرن السابع الميلادي كالدولة الغزنوية والغورية والخوارزمشاهية والمُغَلية (المغولية). ولقد عانت البلاد من الحروب والغزوات التي دمرت الكثير من المنجزات الحضارية أعيد بناء بعضها أو جدد، واندثر بعضها الآخر وتكتشف بقاياه بين حين وآخر.

اللغة: على الرغم من تعدد اللغات المحكية في أفغانستان تبقى اللغتان الباشتونية والدارية غالبتين ويتكلم بهما أكثر من 75% من السكان. وهما اللغتان الرسميتان في البلاد، وتنتميان إلى مجموعة اللغات الإيرانية الآرية، وهما غنيتان باللهجات الكثيرة. وتتميز هاتان اللغتان من الفارسية بغناهما بالكلمات العربية، وبتركيب للجمل قديم جداً. وتكتب الأفغانية الرسمية (الباشتونية والدارية) وغيرها بالأحرف العربية بإضافة بعض الإشارات والنقاط للأحرف غير العربية. وتسعى أفغانستان إلى تعميم الباشتونية وجعلها اللغة الوطنية ومع هذا تبقى الدارية لغة التعامل والإدارة. ويضم الجدول قائمة اللغات الأفغانية.

المجموعة الإيرانية الآرية

الإيرانية الشرقية

الباشتونية (رسمية)

المغربية القندهارية، المنجنية، المموزية، الططناكية، المشرقية، الجلال أبادية، الناقلينية، الباكترية.

الباميرية

الشوغنية –الروشانية، الأشكاشمية، السنغليتشية، المُنجية، الواخانية.

الجنوبية الشرقية

البراتشية، الأورموية.

الإيرانية الغربية

الفارسية الدارية (رسمية)

الكابلية، البنغاشيرية، السَلَنغية، الغورباندية، اللاغمانية، الصرخودية، الكنديباغية، فارسية وادي لوغَر، التشارخية، الغزنوية، البورمولية، البدخشانية، القتاغانية، المزارية، الباكترية، الهزارغيانية، الأيماقية، الفيروزكوهية، التيمنية، الهراتية، الفرحية، القندهارية، التيمورية، الجمشيدية، هزارية قلعة نو، السيستانية، الكوهستانية.

الشمالية الغربية

البلوجية

المجموعة الهندية الآرية

النورسانية

الكاتية الغربية، الكاتية الشرقية، الويغالية، الأشكونية، البارسونية، الترغامية.

الداردية

البشائية، الغوارباتية (لهجتان فرعيتان)، الننغلامية، الوَطَبورية، السافية، التيراهية.

المجموعة التركية

الأوزبكية، التركمانية، القيرغيزية.

المجموعة المغولية

المغولية

المجموعة السامية

العربية (لهجة بخارى)

المجموعة الدرافيدية

الدرافيدية

الجدول (1): قائمة اللغات الأفغانية

وينتشر المتكلمون باللغات التركية والعربية في شمالي البلاد إلى جانب الدارية. ويتكلم العربية سكان أربع بلدات هي حسن أباد وسلطان أرِغ ويخودان وخوش حال أباد، وجميعها في منتهى نهر بلخ أب ودلتاه الجافة. ويؤلف المتكلمون بالمغولية خمس جزر لغوية في وادي نهر هري رود جنوبي هراة وشرقيها. أما البلوجية والدرافيدية فتنتشر في الجنوب وفي وادي هَلْمَند الأدنى وحوض سيستان. وتتداخل مناطق اللغات الأخرى مع الباشتونية والدارية ولهجاتهما الكثيرة.

ويؤثر الوضع اللغوي والاجتماعي في مستوى التربية والتعليم، إذ لا تزيد نسبة المتعلمين في البلاد على 30% على الرغم من مجانية التعليم في جميع مراحله. ويتم التعليم باللغتين الباشتونية والدارية.

وكان التعليم يتم في المدارس الدينية حتى افتتحت أول مدرسة حديثة عام 1904 للذكور وعام 1921 للإناث. أما أقدم الكليات الجامعية فهي كلية الطب التي تأسست عام 1932، وكانت نواة جامعة كابل التي أنشئت عام 1946، تلاها إنشاء جامعة ننغارهار في جلال أباد عام 1963.

الآداب: ترجع الآداب الأفغانية في جذورها إلى أصول إيرانية فارسية. لكنها تختلف عنها بأن الآداب الأفغانية ذات منحى بطولي قتالي، في حين يظهر أثر البلاط وحياة الترف في الآداب الإيرانية. وعلى الرغم من أن بدايات الأدب الأفغاني ترجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي وما قبله، وأن شعراءهم ساروا على سنن شعراء الفرس أمثال الفردوسي وسعدي. فإن الأدب الأفغاني باللغة الباشتونية لم يترسخ إلا في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وكان عبد الرحمن البشاوري من أقدم شعرائهم. كما برزت أسماء أخرى أمثال مرزاخان الأنصاري. ويعد خوشال خان العبدلي (الأبدالي) (1613- 1689م) الذي وحد القبائل الأفغانية في حروبها ضد الغزاة، من أهم الشخصيات الأدبية الأفغانية وأوسعها أفقاً، وتدور أشعاره حول موضوعات كثيرة تشمل الدين وغيره حتى البيزرة. أما النهضة الحديثة للأدب بشتى أشكاله فترجع إلى جعل لغة الباشتون لغة رسمية، منذ استقلال أفغانستان عام 1919.

وظهرت الروايات والقصص والأشعار والمسرحيات وغيرها، وكثرت المطبوعات الأدبية في دوريات ومجلات متخصصة. وبرزت أسماء أدباء وشعراء كثيرين منهم عبد الرؤوف بينافه وغول ـ باتشا أولفة ونور محمد طراقي وقيام الدين حميد وضياء قاري زادة وعبد الله بيتاب وغيرهم.

الفنون: تأثرت الفنون الأفغانية بالموقع الجغرافي للبلاد. فبرزت فيها المؤثرات الفارسية والطورانية (التركستانية) والهندية بروزاً بيناً، وتتداخل هذه المؤثرات مع الفنون المحلية التي أخذت طابعاً شخصياً خاصاً بها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وتوجد في أفغانستان معالم فنية قديمة وثنية، كتماثيل بوذا وبقايا الدير البوذي في منطقة باميان، والآثار الفارسية العائدة إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين. وعلى الرغم من ذلك تعم البلاد الآثار الفنية المعمارية ذات الطابع الإسلامي الذي انتشر منذ دخول الإسلام أفغانستان حتى اليوم. ومن أشهرها المسجد الجامع في مزار شريف من القرن الخامس عشر، ومنارة جَمْ ومسجد هراة وضريح غاوهارشاد في هراة وقلعة بالا في كابل، وضريح محمد نادر شاه في كابل. ويبقى السجاد واحداً من أهم المنتجات الفنية الأفغانية ذات القيمة الاقتصادية. إذ تتميز من غيرها بالنقوش المعروفة بـ«غُل» الملون بالأحمر والأزرق والأبيض العاجي وأحياناً باللون الأخضر، التي اشتهرت القبائل التركمانية بإبداعها، وتحتل المركز الأول في قائمة صادرات البلاد.

وتتبوأ فنون الرقص والغناء والموسيقى مكانة مرموقة في المجتمع الأفغاني. الذي يشتهر بحبه لرقصة الـ«أطّان» ذات الطابع الحربي العنيف، التي تمارس على نحو ملطف حالياً، وتعد الرقصة القومية الأفغانية. والغناء الأفغاني شرقي بطولي يمجد الشجاعة والصيد والحرب والحب، والكلمات فيه أهم من الأنغام ذات الطابع الرتيب. أما الآلات الموسيقية فالوتريات أهمها، ومنها الربابة والطنبور والكمان المعروف محلياً بـ «الكمنجة» ثم الطبل والمزمار. وتأتي الفنون الأخرى كالرسم الحديث والنحت والمسرح الذي دخل البلاد منذ عام 1960 في المرتبة الأخيرة في قائمة الفنون الأفغانية

أفغانستان جغرافيا

أفغانستان Afghanistan دولة آسيوية قارية حبيسة، ليس لها واجهات بحرية. تقع في غربي آسيا وتفصل بين آسيا الوسطى وأقاليمها في الشمال وشبه جزيرة الدكن في الجنوب. أخذت اسمها «بلاد الأفغان» من العنصر الأفغاني، وكان معظم أجزائها يدخل في إقليم خراسان. عاصمتها كابل.

وأفغانستان هي البقاع التي عُرفت باسم باختري (باكترية) وهروفاتي (أراكوسية) وزرانكا (سارانغاي) في قرون ماقبل الميلاد، وعُرفت في العهود الإسلامية باسم طُخارستان (منطقة بلخ) وسجستانأوسيستان (جنوب غربي أفغانستان) وخراسان (شمال غربي أفغانستان) وزابلستان (منطقة كابل)، وكانت تؤلف قلب امبراطورية الغوريين وعاصمتها مدينة فيروزكوه نواة إقليم الغور حالياً.

الموقع والحدود

تقع أفغانستان بين العرضين الجغرافيين 29 درجة و24 دقيقة و38 درجة و27 دقيقة شمالاً، والطولين الجغرافيين 60 درجة و30 دقيقة و74 درجة و53 دقيقة شرقاً. وتحدها إيران من الغربوالباكستان من الجنوب والشرق. ولها حدود قصيرة مع الهند والصين الشعبية في أقصى الشمال الشرقي. أما في الشمال فتحدها جمهوريات طاجكستان وأوزبكستان وتركمنستان الإسلامية بحدود طولها نحو 2350كم. ويرجع عمر هذه الحدود إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما اتفقت الدولتان الاستعماريتان روسية وبريطانية على إقامة منطقة عازلة بين مستعمراتهما في تركستان وشبه جزيرة الدكن. ولعل أغرب مافي حدود هذه الدولة، لسان أرضي ضيق طوله نحو 325كم وعرضه يراوح بين 25 و65كم، هو ممر «وَخّان» المنبثق من كتلة البلاد نحو الشمال الشرقي مندساً في جبال هندوكوش حتى حدودسينكيانغ الصينية. وإذا أُهمل هذا اللسان الشاذ، فإن أكبر طول في أفغانستان يبلغ 750كم من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي، بعرض متوسط قدره 600كم. أما أقرب البحار من الحدود فهو بحر العرب وامتداده خليج عُمان، وتبعد سواحله عنها مسافة 467كم نحو الجنوب، وتفصل بينهما مرتفعات بلوجستان وأحواضه الجافة والسلاسل الجبلية الوعرة لإقليم مكران في أراضي الباكستان[ر]. ولقد كان للموقع الجغرافي وطبيعة التضاريس أهمية استراتيجية وتاريخية بارزة في أحداث هذا الجزء من العالم قديماً وحديثاً. ولقد عرفت أفغانستان بأنها معبر الغزاة، وكانت طرقاتها وممراتها الجبلية معروفة ومشهورة، سارت فيها جيوش وقوافل تجار وحجاج وغيرهم كحملة الاسكندر المقدوني[ر] التي عبرت ممري شيبار وخيبر وغيرهما من ممرات جبال بندبايان وكوه ـ ي ـ بابا وهندوكوش. ويذكر ابن بطوطة طريقه إلىأفغانستان من تركستان مروراً بجبال هندوكوش وممر خاواك إلى البنجاب. ويصف الإدريسي طرقاتها وممراتها الجبلية. ويصل عدد الممرات الجبلية في جبال هندوكوش وحدها إلى 33ممراً تقع على ارتفاعاتلا تقل عن 4000م، وعلى الرغم من ذلك ومن صعوبة اختراق جبال أفغانستان بقيت الأودية النهرية السالكة والممرات الجبلية هي الطرقات المفضلة للعابرين، لأن الصحارى في الجنوب والجنوب الغربي والأراضي الباردة والصحارى في الشمال تعيق الحركة والمواصلات. وبذا يتمتع الموقع الجغرافي لأفغانستان بأهمية استراتيجية وعسكرية بوصفه قلعة طبيعية مساحتها 652225كم2 تقع بين الصين في الشرق وعالم البحر المتوسط في الغرب وبين سيبيرية وتركستان في الشمال وعالم المحيط الهندي في الجنوب.

الأوضاع الجغرافية الطبيعية

تشغل الجبال والمرتفعات نحو 70% من أراضي أفغانستان، والباقي هو مساحات صحراوية أو شبه صحراوية. وتقع الجبال في شرقي البلاد وقلبها تحف بها الهضاب والمرتفعات الواطئة والصحارى في الغرب والجنوب والجنوب الشرقي، كما أنها تساير الحدود الأفغانية الشمالية على شكل شريط صحراوي يؤلف نهايات صحارى تركستان جنوب قناة ري قره قوم.

الجيولوجية: تقع أفغانستان في حزام التكوينات الجيولوجية والحركات البنائية المنسوبة إلى النظام الألبي الممتد من أوربة إلى آسيا حتى جنوبها الشرقي، وتتبوأ فيها هضبة بامير مكان الموزِّع للسلاسل الجبلية الالتوائية التي تؤلف العمود الفقري للقارة الآسيوية. وتعد جبال أفغانستان وإيران وهضابهما جزءاً من حزام التكوينات الألبية محصوراً بين حوض طوران في الشمال، وحوض السند في الجنوب الشرقي ومنخفض بحر العرب في الجنوب.

إن الحركات البنائية الألبية المولدة للتضاريس كانت القوة الأساسية في ظهور السلاسل الجبلية الالتوائية ورسم محاور سيرها في أفغانستان، لكنها لم تكن العامل الوحيد، بل أسهمت بعض الصدوعالكبرى في ذلك، أهمها الصدع الشرقي ـ الغربي الكبير المساير لوادي نهر هَري رود، والصدع الشمالي ـ الجنوبي الفاصل بين حوض السند وجبال الحدود الأفغانية ـ الباكستانية. ويرجع عمر هذه الحركات إلى الحُقب الجيولوجي الثالث المتأخر أي قبل نحو 3-4 ملايين سنة ولم يتوقف نشاطها حتى اليوم، تدل عليها الزلازل التي تضرب البلاد بين حين وآخر، وتتركز بؤرتها في أعالي وادي نهر كوكتشه حيث تم تسجيل أكثر من 85 هزة أرضية فيها بين عامي 1900 و1981. وتؤكد أشكال تضاريس (جيومورفولوجية) الأودية السحيقة وخوانقها الضيقة، استمرار حركات النهوض البنائي التي تتفوق في نشاطها على عملياتالحت والتعرية، مما يزيد في عامل الحت الرأسي، ويعمق الأودية ويبقي التضاريس شابة عنيفة في الجبال والمرتفعات. وتعم الصخور الكلسية والرملية واللحقية النهرية والنقضية والرمال المؤلفة للكثبان والأغشية الرملية معظم أرجاء البلاد. وينطبق تعاقب أعمار هذه الصخور الرسوبية على تدرج ارتفاعات التضاريس ومحاورها. إذ تتألف الأجزاء المنخفضة والهضاب وهوامش الجبال المركزية من صخورالحُقْبين الرابع [ر] والثالث، مقابل غلبة الصخور والطبقات الرسوبية الكريتاسية والجوراسية والترياسية من الحقب الثاني على الجبال العالية. ومع ازدياد الارتفاعات باتجاه الشمال الشرقي تأخذ صخور الحقب الأول بالظهور حتى تصبح مسيطرة في جبال هندوكوش وبدخشان ونورستان ووخّان. وترافق الصخور الرسوبية مجموعة متنوعة من الصخور الاندفاعية والمتحولة، مما جعل هذه الجبال غنية بالثروات الباطنية المتنوعة المعروفة منذ القدم، ويذكر البيروني اللازورد بقوله: «واللازورد يحمل إلى أرض العرب من إرمينية وإلى خراسان والعراق من بدخشان».

التضاريس: تضاريس أفغانستان هي امتداد لوحدتين بنائيتين (تكتونيتين) كبيرتين، هما هضبة بامير[ر] وجبال هندوكوش وتفرعاتها من جهة الشرق، وهضبة إيران وأحواضها المغلقة من جهة الغرب. وتعد هضبة بامير أهم وحدة تضريسية وبنائية في قارة آسيا، وتؤلف عقدة تتفرع منها سلاسل جبال هندوكوش نحو الغرب وسليمان نحو الجنوب الغربي، وجبال ألاي وتيان شان نحو الشمال الشرقي، وألتِن طاغ وكوِن لُون نحو الشرق، وهيمالايا نحو الجنوب الشرقي. وتتجه محاور الجبال الأفغانية نحو الجنوب الغربي، حيث تبدأ من شريط وَخّان في سلسلة هندوكوش الرئيسة التي تزيد ارتفاعاتها على 7000م فوق سطح البحر، وتسمى هندوكوش الشرقية، وتستمر في جبال وسط أفغانستان التي تتفرع كالمروحة المنفرجة باتجاه الغرب والجنوب الغربي. وتتألف فروع المروحة من سلاسل جبلية هي من الشمال نحو الجنوب الغربي: سلاسل بند تركستان وفيروزكوه وسفيدكوه وكوه ـ ي ـ بابا وكوه بند بايان وسلاسل تشالابْدَلان وخُورْب ومَزار. وتتصف هذه الجبال بارتفاعاتها الواقعة بين 5000 و6000م في الوسط والشمال الشرقي، وبشدة انحدار سفوحها المنتهية إلى قيعان أودية، وأنهار عميقة ضيقة غنية بالخوانق، كما تتصف بأنها سلاسل خطية، تتباعد في الغرب والجنوب الغربي، حيث تتسع مخارج الأنهار وتعرُض الأودية، وتتجمع في الشرق في سلسلة هندوكوش وجبال بدخشان ونورستان التي تتممها في الشمال الشرقي. ويقدر الارتفاع المتوسط لجبال أفغانستان ومرتفعاتها بنحو 3000م. ويصل معدل ارتفاع قممها وخطوط تقسيم مياهها إلى أكثر من 4500م، علماً أن الارتفاعات تتناقص باتجاه الشمال والغرب والجنوب والجنوب الشرقي وفي حوض كابل. وترتفع قمة نوشاك أعلى نقطة في البلاد إلى 7485م عند أول لسان وَخّان، قرب الحدود مع باكستان حيث تجاورها قمة تيريش مير على علو 7699م في الأراضي الباكستانية، ويرد اسم هذه القمة على أنها أعلى نقطة في أفغانستان خطأ. ويتفرع عن السلاسل الجبلية الرئيسة سلاسل أصغر وأقصر تتشعب إلى أخرى قد تتباعد، أو تتلاقى بجسور جبلية تربطها، مما يعطي جبال أفغانستان شكل شجرة ضخمة متشعبة الفروع والأغصان.

أما الهضاب المنخفضة والمنبسطات فتراوح ارتفاعاتها بين 250م و650م فوق سطح البحر. وتتألف من منخفض حوض هامون ودشت مارغو (صحراء الموت) ودشت باكوا ودشت خاش ورجستانفي جنوبي البلاد وغربيها حيث تؤلف بحيرة هامون ومستنقع غاودي زَرَه منخفضات مغلقة تقع دون 500م فوق سطح البحر. أما شريط الأراضي المنخفضة الشمالية فيمتد بين أقدام الجبال ونهر آموداريا(جيحون أو النهر أو داريا ـ ي ـ آمو)، ويؤلف سهولاً ترتفع بين 250ـ 300م فوق سطح البحر، تخترقها روافد آموداريا الهابطة من الجبال بدءاً من إقليم طالقان وقُندوز حتى فارياب. وتتبع المجاري الدنيا للأنهار والأودية السيلية الخارجة من الجبال، هذه الزمرة من التضاريس المنخفضة والمنبسطة نسبياً، من بينها الأحواض الدنيا لنهري هَلْمنَد وهَري رود في الغرب والجنوب، ونهر كابل في الشرق.

المناخ والمياه: فرض الموقع الجغرافي وارتفاع التضاريس ومحاور سيرها أوضاعاً مناخية قارية شديدة التطرف خاضعة للنظام المناخي المتوسطي في العروض فوق المدارية. ويظهر أثر هذا النظام في توزيع الهطل ومواعيده في الشتاء والفصول الانتقالية مع جفاف الصيف. وتتأثر البلاد بثلاث كتل هوائية هي: الكتلة الباردة الشمالية الجافة، وكتلة الهواء الموسمي القادمة من الجنوب الشرقي التي ينحصر تأثيرها في ولايتي بَكْتيه وننغارهار ومرتفعات حدود البلاد مع الباكستان، والكتلة الثالثة الغربية التي تدفع بالمنخفضات الجوية نحو الشرق في الشتاء وتحمل المطر والثلج. وقد تهطل أمطار رعدية في الصيف نتيجة وصول هواء رطب قادم من الخليج العربي. وتراوح معدلات حرارة الصيف بين 24 و32 درجة مئوية، وتقع بحدود 10 درجات بين ارتفاعات 2500 و4000م فوق سطح البحر، وتصل الحرارةالقصوى إلى 49 درجة. أما في الشتاء فيراوح المعدل حول الصفر و7 درجات، لكنه يراوح بين -20و -30 درجة في الجبال التي تغطيها الثلوج مدة 6- 8 شهور في الأجزاء الواقعة أعلى من 3000م. وتراوح كميات الهطل بين 50مم في صحارى الجنوب والجنوب الغربي وأكثر من 800- 1000مم في جبال الشمال الشرقي، حيث يسقط قسم مهم منها ثلوجاً. أما في جبال الحدود الباكستانية فتهطل أمطار موسمية صيفية بمعدل 800مم سنوياً. وتهب على البلاد رياح جافة وباردة جداً شتاء وحارة صيفاً، قد تصل سرعتها في الصحارى المفتوحة لأكثر من 180كم/سا، مما يؤدي إلى غلبة العواملالجيومورفولوجية الريحية في الجنوب والجنوب الغربي.

أما مياه أفغانستان فتنتمي أنهارها وسيولها إلى شبكتين أساسيتين لتصريف المياه هما: شبكة مياه المحيط الهندي، وشبكة مياه الأحواض الداخلية المغلقة التي تقسم إلى شبكة بحر آرال وأحواض تركستان، وشبكة حوض سيستان، إضافة إلى أحواض مغلقة أخرى غربي الجبال وجنوبيها وفيها. وتتألف شبكة المحيط الهندي من المجاري العليا لروافد نهر السند في الباكستان وأهمها نهر كابل البالغ طوله 500كم. ويخترق ممر خيبر بوابة أفغانستان الشرقية، وترفده أنهار كثيرة تحمل مياه جبال هندوكوش الغربية ونورستان إليه. ويعد نهر هَلْمَند ورافده المهم أرغنداب أطول نهر في البلاد ينبع من السفوح الجنوبية لهندوكوش ويصب في بحيرة هامون بعد قطعه نحو 1150كم نصفها في صحراء مارغو، ويصرّف نحو نصف مياه أفغانستان السطحية، ولقد أقيم عليه أضخم مشروع زراعي مروي يعرف بمشروعHAVA هافا (سلطة وادي هلمند ـ أرغنداب) يعتمد على مخزون سدين كبيرين يحجزان مياه الفيضانات الربيعية. وهناك أنهار خاش وفَرَه وهاروت التي تنتهي إلى بحيرة هامون. وتتألف أنهار الشمال من نهرآمو داريا الذي يرسم معظم الحدود الأفغانية ـ الشمالية ومن روافده اليسارية الهابطة من جبال أفغانستان، بعضها تصل مياهه إلى النهر كأنهار كوكتشة وسرخ آب (قندوز)، ومعظمها ينتهي في دلتات جافة على أطراف صحراء تركستان من دون أن تصل مياهه إلى آمو داريا، وهي أنهار خُلمْ وبَلْخ وداريا ـ ي ـ سفيد وشيرين تاغاو ومُرغاب (مُرغ آب= نهر مرو) وهَري رود. ولقد قامت على هذه الأنهار ومخارجها مدن تاريخية مهمة أمثال بلخ ومزار شريف واشبرقان (شِبرقان) ومَرو وهراة وسَرَخْس.

الأقاليم الجغرافية: تقسم أفغانستان إلى ثلاث وحدات جغرافية طبيعية كبرى (أقاليم من الدرجة الأولى)، تضم خمسة أقاليم من الدرجة الثانية، وأربع عشرة منطقة من الدرجة الثالثة، وأربعاً وأربعينكورة من الدرجة الرابعة. والوحدات الجغرافية الكبرى هي:

إقليم تركستان الأفغانية: ويشتمل على شريطين من الأراضي الممتدة من الغرب نحو الشرق في شمالي البلاد: الشريط الأول جبال متوسطة الارتفاع مخدّدة بأودية عميقة، تنتهي أصولها إلى سهول منخفضة، تنفرش مخاريطها النقضية واللحقية باتجاه نهر آموداريا، مؤلفة الشريط الثاني. وترب الإقليم متنوعة، أهمها الغبارية الكلسية والرملية واللحقية النهرية ـ السيلية، وتصبح في المنخفضات وفي الغرب ترباً جافة مَلِحة صحراوية. وتغور نهايات أنهار الشمال ومياه السيول الجبلية في ترب هذا الشريط بعد ريها واحات أقدام الجبال. ويتفق نبيت هذا الإقليم مع مناخه وأمطاره، حيث تغلب الشروط القارية الجافة وأمطار لاتزيد على 500مم في الجبال وتراوح بين 100 و200مم في السهول، مما يؤدي إلى انتشار الغابات المفتوحة النفضية المتساقطة الأوراق في الجبال، والشجيرات القزمة والأعشاب والأنجم الخشبية والنباتات الشوكية دونها.

إقليم الصحراء والسهوب: وتغلب عليه الهضاب والمنبسطات والأحواض المغلقة، حيث السباخ والمستنقعات المَلِحَة في غربي البلاد وجنوبيها. وتغطي الترب الغبارية الكلسية والرملية والسفحيةالنقضية معظم السطح، كما تؤلف الترب اللحقية أرض أودية الأنهار ومفارش دلتاتها، كذلك تنتشر الترب المَلِحَة مع الرمال والكثبان المتنقلة في الصحارى وحول منخفض سيستان. ولايزيد عدد الشهور الرطبة على الثلاثة وتقل الأمطار عن 70مم سنوياً. ونبيت الإقليم هو شجيرات متفرقة وأعشاب تألَف الجفاف والتربة الملحة. وتتعذر الزراعة في الإقليم إلا بالري بالمياه الجوفية أو بمياه الأنهار، ولاسيما نهر هَلْمَندالذي أعاد الحياة إلى سيستان التي دمرها المغول وخربوا عاصمتها أميران وأبادوا السكان الذين قُدر عددهم بنحو المليون عام 1380م. وتزدهر قرب أطلال أميران مدينة زَرَنْج الحديثة.

إقليم الجبال: ويشغل الوسط والشرق، ويضم أصقاع نورستان والغُور وبدخشان ووَخّان وهَزَرجات وقندهار وغزنة وكابل، وتؤلف جبال هندوكوش عموده الفقري. وهو إقليم الجبال العالية والشاهقة والأودية السحيقة العميقة. وتظهر على قممه التي يزيد ارتفاعها على 4600- 5200م الجليديات المتفرقة التي كانت تنتشر على مساحات أوسع في العصر الجليدي في الرباعي الأعلى حين كان حد الثلج الدائم بحدود 3700- 4100م فوق سطح البحر. وشتاء الإقليم بارد جداً يراوح هطله بين 300 و500مم في الوسط والغرب، و500 و1000مم في الشمال الشرقي، حيث معظم الهطل ثلجي. وتعمّ ترب السفوح الحجرية وتربة الكامبيزول والرنتسينا الجبال، والترب اللحقية والنقضية الأودية والأحواض الجبلية، والترب الليتوزولية والريغوليتية (الحجرية والسفحية) الغنية بالكلس في منخفض كابل وجلال أبادحيث الأمطار مدارية موسمية تراوح بين 150 و500مم. ويتنوع نبيت الإقليم من شجيرات وأعشاب مؤتلفة مع الجفاف إلى مروج ألبية، وأعشاب جبلية، ووسادات شوكية، حتى غابات دائمة الخضرة ذات أشجار مخروطية وأخرى تيجانية في الأعالي. وتقدر مساحة الغابة في أفغانستان بنحو 3% من المساحة العامة.

الجغرافية البشرية ـ السكانية

فرض الموقع الجغرافي لأفغانستان أن تكون ممراً لأقوام وشعوب مختلفة، كما فرضت تضاريسها انعزال عناصرها السكانية، وتعدد لغاتها ولهجاتها.

إعمار البلاد: ترجع البدايات الأولى لظهور الإنسان في أفغانستان إلى العصر الحجري القديم الأوسط في مواقعه المكتشفة في وادي نهر كوكتشه ووادي بَلْخ وفي غار ـ ي ـ مورده ودشت ناوور وفي مواقع أخرى تؤكد استمرار إعمار أجزاء متفرقة من أفغانستان حتى بداية العصور التاريخية. ولقد مر الإعمار بأزمان مدّ مختلفة في العصور التاريخية المختلفة، ترافقت مع عهود انتشار الأمن وازدهار الاقتصاد واتحاد المجتمع واستقرار الحكم، تخللتها أزمان جزر للإعمار وانحسار أصاب القرى والبلدات في عهود الفوضى وانقطاع حبل الأمن، وإبان الغزوات المدمرة التي تعرضت لها أفغانستان في تاريخها المليء بالصراعات والحروب واختلاف السلالات الحاكمة من يونانية إلى أخمينية فسكيتية وصغدية وكوسانية وإيرانية وهندية وتركية ومغولية وعربية. ويعد العهد الغزنوي والغوري من عهود اتساع الإعماروانتشار التجمعات السكانية، على النقيض من الغزو المغولي الذي خرب المدن والقرى والمزارع والمنشآت الاقتصادية والحضارية. وبعد حين من الركود عاد الإعمار إلى البلاد، ولاسيما بعد قيام دولةأفغانستان المستقلة عام 1919م، لكن الكثير من القرى والمزارع تأثر مرة أخرى إبان عقد من الزمن بالاضطرابات، وبغزو القوات السوفييتية لها، لمساندة الحكم الموالي للاتحاد السوفييتي سابقاً، وهجر قرابة 4.6 ملايين أفغاني البلاد إلى الدول المجاورة.

البنية الإثنية: يتنوع السكان الحاليون بأصولهم العرقية ولغاتهم تنوعاً كبيراً. وينتمون إلى أكثر من عشر مجموعات عرقية رئيسة، وهي التالية مرتبة بحسب أهميتها: الباشتون (الباشتو) والطاجيكوالأوزبك والهزاره والتركمان والتيماني (حلف قبلي) والفيروز كوهي (حلف قبلي) والبلوج والجمشيدي والتيموري (حلف قبلي). أما الأقليات العرقية فهي التالية مرتبة بحسب أهميتها: الزوري والمالكيوالمشمست والطاهري والمووري والبراهوي والعرب والقرغيز والمغول والغوجار والقَبْتشاق والواخي والروشاني والأشكاشيمي والسنغليتشي والمُنْجي والفارسي (الفارسيوان) والقرلق والأشكون والومايوالبراسون والفيغالي والترغامي والبشاي والغربات وغيرهم، وهناك تسميات شاملة تضم مجموعات عرقية، هي الأَيْماق والنورستانيون والتْشات وطاجيك الجبال والغالاتشا الباميريون.

ويؤلف الباشتو أكثر من 53% من السكان وينتشرون في الأنحاء الجنوبية الغربية وحوض كابل ـ جلال أباد وفي الشمال الغربي وفي جزر عرقية مبعثرة في الشمال وأوديته النهرية. يليهم الطاجيكونسبتهم 25- 30% ومواطنهم في جبال الشمال الشرقي وجبال الشمال وحوض هراة ووادي هري رود الأدنى وجزر أخرى. وتصل نسبة الأوزبك إلى 5% ونسبة المغول إلى 3% من السكان. والباقي يؤلف الأقليات الأخرى. ويدين السكان بالإسلام ومعظمهم (85%) من السنة والباقون من الشيعة. ولقد كان سكان نورستان آخر من اعتنق الإسلام وكانت ديارهم تعرف بـكافرستان أي بلاد الكافرين حتى اعتناقهم الإسلام عام 1895 وما بعده.

السكان ونموهم: لا تتوافر إحصاءات أو تعدادات موثوقة للسكان في عهود زمنية مقبولة لرسم منحنى بياني لنمو السكان. ومعظم الأرقام تقديرية ومتباينة. ومما يزيد الأمر تعقيداً وجود أعداد كبيرة من الأفغانيين خارج البلاد بصفة لاجئين يقدر عددهم بنحو 3.400.000 في الباكستان و1.100.000 في إيران و100.000 نسمة في الهند. ويعد كل رابع لاجىء في العالم أفغانياً في عقد الثمانينات من القرن العشرين، وتبين الأرقام التالية الاضطراب والتضارب في الإحصاءات السكانية ـ الديمغرافية:

عدد السكان السنة

13.000.000 1958

16.000.000 1965

15.909.000 1966

15.000.000 1968

17.125.000 1970

13.051.000 1979

16.592.000 1986

14.500.000 1987

18.614.000 1990

20.979.000 1991

24.167.000 1996

24.965.000 1997

ويقدر المعدل السنوي للولادات بنحو 53 بالألف مقابل 21 بالألف للوفيات. ويحوم معدل الزيادة السنوية للسكان حول 28 بالألف (1990- 1996). والعمر المتوسط المتوقع هو 45 سنة (1997).

أما الكثافة السكانية العددية المقدرة بـ 38ن/كم2 فمتباينة، تزيد على 330ن/كم2 في حوض كابل وفي منطقة مدينة هراة وجنوبيها وفي الواحات المروية، لكنها تنخفض إلى أقل من فرد واحد في الكيلومتر المربع في المرتفعات وهوامش الجبال، بل وينعدم السكان في بقاع واسعة من الجنوب والغرب الصحراويين، ومن الجبال الشاهقة الارتفاع. ويعيش الأفغانيون في أكثر من 15.000 قرية تكثر في الشمال والشرق وفي أحواض الأودية النهرية. والقرية الأفغانية متوسطة الحجم أو صغيرة، يراوح عدد سكانها بين 200 و750 نسمة. والمساكن الريفية مبنية من الطين المجفف (اللبن)، ومسقوفة بالأعمدة الخشبية مؤلفة أسطحاً مستوية ضعيفة الانحدار في السهول والواحات، ومبنية بالحجارة والأخشاب في المرتفعات. وتؤلف الأخشاب المادة الأساسية في مساكن نورستان وهندوكوش. وسقوف المساكن مستوية والدور متلاصقة في معظم القرى. ويخضع موقعها لتوافر المياه ومصادر العيش. ولعوامل الدفاع والحماية والتركيب القبلي ـ الأُسْري أثر بارز في تحديد مواقع القرى ومخططاتها وأحيائها. وتقدر نسبة الريفيين بنحو 68% من مجموع السكان، أما سكان المدن فتصل نسبتهم إلى 21% والبدو الرحل وأنصاف الرحل نحو 11% من السكان (عام 1997). وفي البلاد أكثر من 20 مدينة أكبرها العاصمة كابل 1.424.000 نسمة تليها مدن قندهار 225.000 نسمة ثم هراة 160.000 فمزار شريف 118.000 وجلال أباد 58.000 نسمة ثم مدن أصغر منها غزنة (غزني) وباغلان ومَيْمَنة وفايز أباد وخُلْموأندخُوي وأقجة وطالقان وشبرقان وغاريكار وغردز وخان أباد وقُندوز وفَرَه (فرح) وبَلْخ وقلعة نُو. وتقع المدن الأفغانية على هوامش الجبال وفي أودية الأنهار ومخارجها إلى الهضاب والسهول. أما البدو ويعرفون بـ(كُوشي) فأعدادهم في تراجع لاستقرارهم وعملهم بالزراعة وغيرها. مهنتهم الأولى تربية الأغنام والانتقال بها بين الأودية والسهول الهامشية من جهة، والمراعي الجبلية من جهة ثانية، ونُجعتهمتكاد تشمل البلاد بأكملها. وكانت علاقات البدو بأبناء المعمورة وثيقة، وكان النظام القبلي سائداً في معظم الأنحاء، لكن دخول الآلة والسيارات والتحول إلى الاستقرار أضعف العلاقات المذكورة.

ومن المشكلات السكانية ـ الاجتماعية ذات السمة العرقية والإقليمية التي تعاني منها أفغانستان مع جارتها الباكستان، مشكلة السكان الباشتو الذين يعيشون خارج أفغانستان في البقاع الباكستانية الواقعة بين نهر السند والحدود الشرقية لأفغانستان. وتعود جذور المشكلة إلى عام 1893 عندما فُرِض على أفغانستان خط «دوراند» للحدود بينها وبين المستعمرات البريطانية في الهند، وفيما بعدالباكستان، إذ فصل هذا الخط الباشتو إلى قسمين في دولتين. ولقد سببت هذه المشكلة نزاعاً على الحدود بين أفغانستان والباكستان وصل إلى درجة قطع العلاقات بينهما.

الأوضاع الجغرافية الاقتصادية

أفغانستان بلد زراعي ـ رعوي بالدرجة الأولى، يراوح الناتج القومي الإجمالي فيها بين 4800 و5000 مليون دولار، ولا يزيد الدخل السنوي للفرد على 786 دولار أمريكي، وهذا مايعكس الوضع الاقتصادي المتدني والفقر البين للبلاد، ويجعلها واحدة من أفقر دول العالم الثالث.

الثروات ومصادر الدخل: الثروة الطبيعية الأولى في البلاد هي الأراضي الصالحة للزراعة البالغة مساحتها نحو 14.000.000 هكتار أي مايعادل 21.4% من المساحة العامة للبلاد، معظمها مؤلف من مراع ومروج جبلية. أما الثروة الغابية فلا تتجاوز المساحة المغطاة بالأشجار مليوني هكتار، وتنتشر في الأجزاء الشرقية منها وفي السفوح الشمالية لجبال هندوكوش. وتغلب عليها الأشجار المخروطيةوالجوز البري والصنوبريات والبلوطيات وغيرها. وتمتلك أفغانستان مصدراً مهماً للطاقة هو مياه الأنهار الجبلية السريعة. أما ثرواتها الباطنية فمتعددة لم يستثمر منها إلا أقلها. ولقد اكتشف الغاز الطبيعي في شمالي البلاد في جوزجان بكميات اقتصادية وبدأ استثماره منذ عام 1967، كان قسم مهم منه يصدر إلى الاتحاد السوفييتي السابق بوساطة خط أنابيب، ويقدر الاحتياطي بنحو 48 مليار م3. وتوجد في شماليأفغانستان كميات من النفط. لكن الآمال معقودة على عمليات الاستكشاف والبحث عن مكامنه في الجنوب. ولقد عثر على مكامن للفحم الحجري في السفوح الشمالية لجبال هندوكوش، ونوعيته جيدة في منطقة قلعة سركاري، وأقل جودة في كركر وإشبُوشْتَه قرب كابل. وفي منطقة حاجي غَك حديد من نوعية جيدة، وفي منطقة قندوز ثروات من النحاس والرصاص والزنك، كما يوجد الملح الصخري في طالقانوالبريليوم في كونار، وغير ذلك من ثروات باطنية كالكروم ومواد البناء وترابة الإسمنت والمرمر. وفي أفغانستان أكبر مناجم العالم لاستخراج أحجار اللازورد على السفوح الشمالية لجبال هندوكوش وفيبدخشان خاصة.

الزراعة وتربية الحيوان: يسهم هذا القطاع بأكثر من 64% من إجمالي الدخل القومي وبنحو أربعة أخماس صادرات البلاد. وتصل نسبة العاملين فيه إلى نحو 69% من مجموع العاملين، مما يبين أهمية الزراعة في الاقتصاد والمجتمع الأفغانيين. وتعد المسألة المائية وانخفاض نسبة الأراضي المروية أهم المشكلات التي تواجه الزراعة، إذ لا تتجاوز مساحة الأراضي المروية 3.600.000 هكتار. ولقد اهتمت الدولة بالأمر وقامت بتنفيذ عدة مشاريع زراعية مروية بمساعدات أجنبية مختلفة، أهمها مشروع وادي هَلْمَند ـ أرغنداب بمساعدة أمريكية ومشروع قناة ننغارهار بمساعدة سوفييتية ومشروع قناةطروان بمساعدة الصين الشعبية. ومن جهة أخرى، فإن مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة لا تستثمر، فلا تتجاوز نسبة الأراضي المزروعة فعلاً 12% من مجموع مساحة البلاد. كما أن أساليب العمل الزراعي وأدواته مازالت تقليدية وقديمة في معظم المناطق، ومازال استعمال الآلات والأسمدة وتطبيق نتائج البحوث العلمية محدوداً. ولقد أخذ القطاع الزراعي بالنمو بعد تطبيق الخطط الخمسية منذ 1956- 1962. والاتجاه يسير نحو تحديث الاقتصاد. وتطبيق الإصلاح الزراعي في مجال الملكية حتى أصبحت الغلبة للملكية الزراعية الصغيرة الخاصة، لكن نظام المحاصصة وتأجير الأرض مازال معمولاًبهما لوجود الكثيرين ممن لا يملكون الأرض ويعملون في أرض الآخرين. وعلى الرغم من ذلك ما يزال قطاع الزراعة غير قادر على تلبية الاحتياجات المحلية. ويحتل القمح المركز الأول في قائمةالمحصولات لأنه المادة الغذائية الأساسية للسكان، يليه الأرز والذرة الصفراء والدخن والمحصولات العلفية والعدس، ثم الخضر والسمسم. ومن الزراعات الآخذة بالنمو السريع القطن والشوندر السكري وقصب السكر، إضافة إلى قائمة طويلة من الثمار والفواكه التي تدخل في جملة صادرات أفغانستان غضة أو مجففة. وتتركز الزراعات ذات القيمة التجارية والاقتصادية العالية في البقاع المروية من البلاد، ولاسيما في أودية الأنهار المهمة وأحواضها الوسطى والدنيا، كما هي الحال في أحواض أنهار كابل وهَلْمَند وهَري رود وأنهار شمالي أفغانستان المذكورة سابقاً، وجميعها تقع خارج كتلة الجبال، وتحيط بها على شكل أشرطة خضراء مزروعة، قامت فيها أهم المدن والمراكز الحضرية القديمة والحديثة، أو أنها تتوغل في الجبال بألسنة تساير أودية الأنهار.

وتمتلك أفغانستان قطيعاً كبيراً من الحيوانات يزيد عدده على 23.000.000 رأس، معظمه من الأغنام ذات الأَلية الدهنية. ومن نحو 7.000.000 رأس من أغنام القره قول التي تقدم فراءً خاصاً، إضافة إلى نحو 3.500.000 رأس من الأبقار والثيران، وأعداد أقل من الماعز وحيوانات العمل والجمال. وللثروة الحيوانية التي تمتلكها الأسرة أهمية بالغة في المجتمع الأفغاني، لدرجة أن كل شيء تقريباً يقوّم بالماعز في منطقة نورستان.

وتعد النُجعة أهم أساليب الرعي في البلاد، ينتقل فيها الرعاة بأغنامهم وقطعانهم من المراعي والمروج الجبلية إلى بطون الأودية والسهول الهامشية المحيطة بالجبال في الشتاء، وبالاتجاه المعاكس في فصل الحرارة والجفاف.

الصناعة والمصنوعات: تتصف الصناعة الأفغانية بالازدواجية، إذ تقوم الصناعة القديمة التقليدية والحرفية جنباً إلى جنب مع الصناعة الآلية الحديثة. كما تتصف بأنها تعتمد على المواد الأولية الزراعية ـ الحيوانية المحلية، وأنها متخلفة عن القطاع الزراعي إذ لا تسهم إلا بنحو 20% في الناتج القومي الإجمالي، ولا يعمل فيها سوى 15% من العاملين. ولقد تعثرت الصناعة الأفغانية وواجهت عقبات كثيرة، منها غلبة الصناعات التقليدية، وحداثة عمر الصناعات الآلية، ومشكلة صعوبة توفير المواد الأولية، وسوء طرق المواصلات، والحرب الأهلية. وما نجم عن التحول الاشتراكي في البلاد وهيمنة القطاع العام، وتجاوز هذه المرحلة التي رافقتها اضطرابات وهزات في البنية الاقتصادية والاجتماعية إبان وجود القوات السوفييتية في البلاد وبعد خروجها منها في 15/2/1989 بصورة خاصة، ولقد تأثرت المخططات الصناعية بمنع دخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وإخراج عدد من الشركات الأجنبية منها منذ أواسط عام 1978 وإبان التحول الاقتصادي والاجتماعي إلى النظام الاشتراكي.

وتعد صناعة السجاد أهم الصناعات الحرفية، ويعمل فيها نحو 7% من مجموع العاملين في الصناعة عامة، تليها الصناعة النسيجية الحريرية وصناعة الزجاج والخزف والمواد الغذائية وغيرها. أما الصناعة الآلية الحديثة فتشمل الصناعات النسيجية والغذائية والجلدية وصناعة الإسمنت والأسمدة وحلج القطن وتوليد الطاقة الكهربائية من محطات حرارية وكهرمائية. وتعتمد الصناعة النسيجية قديمهاوحديثها على المواد الأولية المحلية من الصوف والقطن، وتلقى الدعم والتشجيع من قبل الدولة. وتحتل صناعة السكر مركزاً مهماً بين الصناعات الغذائية الحديثة، تليها صناعة عصر الزيوت وحفظ الفواكه وتجفيفها. ويراوح الإنتاج الصناعي بين إمكانية تصدير قسم منه، وضرورة استيراد بعضه لعدم كفاية الإنتاج المحلي من بعض المنتجات الصناعية.

التجارة والمواصلات: هيمن القطاع العام عن طريق وزارة التجارة على جميع أساليب التجارة الخارجية منذ ثورة نيسان 1978. كما ازداد تعامل أفغانستان مع الاتحاد السوفييتي قبل تفككه، حتى أضحى الشريك الأول لها في قطاع التجارة بنسبة 70% من مجموع قيمة التجارة الخارجية، وتأتي الهند واليابان وإيران والمملكة المتحدة وألمانية والباكستان في المراتب التالية بين الدول التي تتاجر معهاأفغانستان. وتقدر قيمة الصادرات الأفغانية بنحو 552.000.000 دولار، وقيمة الواردات بنحو 1.404.000.000 دولار (لعام 1986). ويبين هذان الرقمان وغيرهما من أرقام السنوات الأخرى العجز الدائم الذي يعاني منه الميزان التجاري الأفغاني وما يواجه الاقتصاد الأفغاني، من مشكلات اقتصادية واجتماعية تعوق تطور البلد ونموه، وقد تراجعت صادرات البلاد ووارداتها نتيجة الحرب الأهلية فيها، وتدنت قيمة الواردات إلى 411 مليون دولار، وقيمة الصادرات إلى 140 مليون دولار عام 1991. ومما يزيد في مشكلات التجارة الموقع الجغرافي لأفغانستان، لأنها دولة حبيسة تخضع لتأثير الدول التي تحيط بها، وتمر فيها خطوط نقل بضائعها تصديراً واستيراداً. وتصدر أفغانستان الفواكه الغضة والمجففة والجوز والمكسرات الأخرى، ثم الغاز الطبيعي والصوف والسجاد وفراء القرقول والجلود والقطن والبذور الزيتية وأحجار اللازورد، وتستورد المنسوجات والإطارات والأنابيب المعدنية ومنتجات النفط والكيمياويات والشاي والتبغ والآلات والسيارات وغيرها.

أما طرق المواصلات فتكاد تقتصر على الطرق البرية للسيارات لانعدام السكك الحديدية وطرق الملاحة النهرية في البلاد، باستثناء الملاحة في نهر آموداريا الحدودي، إضافة إلى الخطوط الجوية. وتؤثرالتضاريس الجبلية والصحراوية تأثيراً سلبياً إذ تفرض على المواصلات محاور سير واضحة. فأهم الطرق تخرج من العاصمة كابل نحو الشرق إلى ممر خيبر وطوله 1030كم فبيشاور في الباكستان، ومن كابل نحو الجنوب الغربي عبر الجبال إلى قندهار ومنها إلى هراة في الغرب ثم إلى ميمنة فمزار شريف وقندوز في الشمال، ويعود هذا الطريق إلى كابل عن طريق باغلان وممر سالَنغ ونفقه البالغ طوله 3200م. ويرسم هذا الطريق دائرة تحيط بالأراضي الجبلية وتتفادى البقاع الصحراوية والرملية، ويقطعها في وسطها طريق كابل ـ هراة الممتدة من الشرق نحو الغرب مروراً بباميان ووادي نهر هري رود. وتنبثق عن الطريق المحيط طرق تتجه من قندهار إلى كيتا في الباكستان، ومن هراة إلى إيران، ومن قندوز إلى الاتحاد السوفييتي السابق ويقدر طول الطرق البرية بنحو 18.000كم منها نحو 3000كممفروشة بالإسفلت. وتمتلك أفغانستان شركة خطوط جوية عالمية تعرف بـأريانا لها رحلات منتظمة إلى خارج البلاد، كما تمتلك طائرات شركة داخلية (بختار) تسير رحلاتها بين العاصمة والمدن الأفغانية المهمة. وفي البلاد نحو 37مطاراً تسعة منها مهمة وتستقبل طائرات الخطوط الداخلية وذلك إلى جانب مطار كابل الدولي، كما يعد مطار قندهار دولياً من الدرجة الثانية. أما في المناطق الجبلية الوعرة وفي الصحارى والقفار حيث تنعدم الطرق، فإن الحمير والجمال وإلى حد ما الخيول مازالت أهم وسائل النقل والعمل.

السياحة: تجتذب أفغانستان أعداداً متزايدة من السياح، مما أدى إلى تنشيط الصناعة السياحية وبناء الفنادق والمؤسسات والمرافق المناسبة، ومن ثم ارتفاع الدخل عن طريق هذا القطاع الحديث العمر نسبياً. وتعد المعالم التاريخية والأثرية إلى جانب التنوع الجغرافي الطبيعي لأقاليم الجبال والصحارى والسهوب، من أهم جاذبات السياح لزيارتها. ومن المواقع السياحية البارزة أطلال آي خانم عند مصب نهركوكتشه، وبَلْخ وباميان وبَنْد ـ أمير وجَمْ وغزنة وغولدَره وهراة وهلمند (الوادي) وجبال هندوكوش، وقرية اسْتَلِف وكابل وقندهار وممر خيبر ومزار شريف ونورستان وقلعة بُست وغيرها من المعالم السياحية.

ولقد تأثرت السياحة بأحداث الحرب الأهلية والاضطرابات فتراجعت أعداد الزوار والسياح