علم نفس النُّمو دراسة التغيرات في السلوك في فترة حياة الفرد. ولا يدرس كثير من المتخصصين بعلم نفس النمو سوى جزء من فترة حياة الفرد. وأَكثرهم معنيون في الأَساس بالطفولة والمراهقة، وهي فترة حياة الإنسان بين مولده، وأَوائل العقد الثالث من عمره.
وهناك نظريات رئيسية أربع حول نمو الطفل، يستخدمها علماء النَّفس في أَبحاثهم التي يجرونها عن سلوك الطِّفل وهي: 1- نظرية النضج، 2- نظرية التَّحليل النَّفسي، 3- نظرية التعلم، 4- النظرية المعرفية.
نظريَّة النُّضج. تفيد النظرية أَن المبدأ الأَهم في تغير النمو هو النُّضج الذي يعني النضج النفسي، وخاصة نضج الجهاز العصبي. وقد وجد أَرنولد جيزيل، أَكثر الأَمريكيين دعمًا لهذه النظرية، أَن نمو سلوك الطفل يتبع نموذجًا مقررًا في النُّمو. ووصف بالتَّفصيل، الأَساليب التي يتغيَّر بها السُّلوك، مع تقدُّم العمر. ويعتقد جيزيل أَنَّ الفروق بين النَّاس تنجم عن الوراثة، أَكثر ممَّا تنجم عن البيئة. انظر: جيزيل، أرنولد لوسيوس.
نظرية التحليل النفسي. تقوم هذه النظرية على نظرية سيجموند فرويد في التحليل النفسي. وطبقًا لما يقوله فرويد تدفع الأَطفال بواعث الجنس، والعدوان. وينمو الأَطفال من خلال تفاعل معقد بين احتياجاتهم، يقوم على دوافع جنسية، وعلى متطلبات بيئتهم. وتتمثل المطالب البيئية أولاً في كون الوالدين محبين، وميالين إلى فرض بعض القيود، ثم في تصور الأَطفال أَنفسهم لما يتطلبه آباؤهم.
وقد قامت أنا فرويد وإريك إريكسن، وغيرهما، بتعديل نظرية فرويد، وتطبيقها على سلوك الطِّفل. وحسب ما يقوله التحليل النفسي حول النمو، يتغير الأَطفال من خلال الصراع، وخاصة بين دوافعهم ومتطلبات الواقع. ويؤدي الحل الناجح لهذا الصراع إلى نمو سوي، أَما الحل الفاشل فقد يقود إِلى مرض عقلي.
نظرية التعلم. تقول نظرية التعلُّم إن نمو الطفل يعتمد بصورة رئيسية على تجربته مع الثواب والعقاب. وعلى الطفل أَن يتعلم استجابات معينة تجاه الكبار، كالكلام، والسلوك المهذب، والمواقف، والاتجاهات. ويمكن أَن يتعلم الأَطفال هذه الاستجابات من خلال اقترانها بالتعزيز (أي شرط يؤدي إلى حدوث التعلم). فإذا ما ابتسمت الأُم لطفلها كل مرة يكون فيها مهذبًا في تعامله مع الكبار، فإن ابتسامتها تعزز تعلم السلوك المهذب. ومهمة الشخص الراشد تهيئة البيئة بحيث توفر تعزيزات مناسبة وفعالة للسلوك المرغوب فيه.
وقد بنى واضعو نظريات التعلم آراءهم على تجربتين أَساسيتين للتعلم وهما: دراسات في الإشراط الكلاسيكي، التي قام بها إيفان بافلوف، ودراسات في الإشراط الوسيلي، التي قام بها إدوارد ثورندايك، وب. ف. سكنر. انظر: التعلم؛ ثورندايك، إدوارد لي. أما النضج والوراثة فأَهميتهما ضئيلة نسبيًا في نظرية التعلم في النمو.
النظرية المعرفية. تعتبر النظرية المعرفية الطفل فاعلاً نشطًا في حل المشكلات. ويؤكد أَصحاب النظرية، على دور الدافع الطبيعي للطفل، بوصفه عاملاً مهمًا في النمو. ويمكن أَن يشمل هذا الدافع رغبة الأطفال في إشباع حبهم للاستطلاع، أَو السيطرة على المهمات المنطوية على التَّحدي، أو الإقلال من حالات التناقض والغموض التي يجدونها في العالم حولهم. وطبقًا للنظرية المعرفية، فإن الأَطفال يكوِّنون نظرياتهم الخاصة بهم عن العالم، والعلاقات بين مختلف جوانبه. وتكون النظريات ساذجة بدائية أَوَّل الأَمر، ولكنَّها تصبح أَكثر واقعية بعد أَن تصقلها تجارب الطِّفل.
وقد طرح عدد من العلماء نظريَّات النُّمو المعرفيَّة الشاملة بمن فيهم عالم النَّفس السويسري جان بياجيه. ووصف بياجيه بالتَّفصيل كيف يغيِّر الأطفال أَفكارهم حول العدد والسَّبب والزَّمان، والمكان، والأَخلاق. ففي البداية يصوِّر الأَطفال العالم وفق نشاطاتهم الخاصَّة، ثمَّ ينتقلون إلى مجموعة محدودة من التَّعميمات القائمة على معرفتهم، بحالات محدَّدة، وأَخيرًا يكتسب الأَطفال القدرة على وضع تعميمات صحيحة وتجريديَّة حول الواقع.
النَّضج وتقدم السِّن. استندت دراسة علم النفس في النُّضج وتقدم السن إلى المشاهدة. ولاتوجد مبادئ نظرية واضحة توجه البحث عن أَنماط ثابتة للنُّمو.
وقد أَثبت العلماء أَن حدة الإدراك وسرعة الاستجابة، والإنتاجية في الفن والعلم، والقدرة على معالجة المعلومات الجديدة، تتراجع مع التقدم في السِّن، ولاسيما بعد أَواخر العقد السادس من عمر الإنسان. ولكن لم يثبت، بالدرجة نفسها من الدقة، ما يقال عن تراجع في قوة الذاكرة، وفي القدرة على حلِّ الأَنواع المألوفة من المشكلات. ولايكاد علماء النَّفس يعرفون شيئًا حول أَبرز حقائق الكهولة، التي تقول إنَّ بعض الأَشخاص يعتريهم تراجع في القدرة، والنشاط بمرور الزمن، بينما يظل آخرون يتمتعون بالقدرة والنَّشاط، حتى آخر أَيامهم.