جاء مصطلح الهوية في اللغة العربية من كلمة : هو. الهوية هي مجمل السمات التي تميـّز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كلّ منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى.
الهوية الشخصية تعرّف شخصاً بشكله واسمه وصفاته وسلوكه وانتمائه وجنسه.
الهوية الجمعية ( وطنية أو قومية) تدلّ على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميّزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كوّنتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. فما يجمع الشعب الهندي مثلاً هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك، وفي العصر الحديث لهم أيضاً دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعباً هندياً متمايزاً رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى.
العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها.
عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيّرات تاريخية سرّعت في تبلور المجموعة. قسم من الهويات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى
الهوية الشخصية تعرّف شخصاً بشكله واسمه وصفاته وسلوكه وانتمائه وجنسه.
الهوية الجمعية ( وطنية أو قومية) تدلّ على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميّزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كوّنتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. فما يجمع الشعب الهندي مثلاً هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك، وفي العصر الحديث لهم أيضاً دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعباً هندياً متمايزاً رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى.
العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها.
عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيّرات تاريخية سرّعت في تبلور المجموعة. قسم من الهويات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى
الهوية وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية
العلاقات الناظمة مابين مفهومي الهوية والثقافة والعولمة
توجد بين مفهومي الهوية والعولمة وشائج علاقات جدلية فريدة من نوعها في طبيعة العلاقة بين المفاهيم والأشياء .إنهما مفهومان متجاذبان متقاطبان متكاملان في آنٍ واحدٍ . وفي دائرة هذا التجاذب والتقاطب والتكامل ، يأخذ مفهوم الهوية على الغالب " دور الطريدة بينما يأخذ مفهوم العولمة دور الصيّاد "حسب تعبير الدكتور علي وطفة.
فالعولمة تطارد الهوية وتلاحقها وتحاصرها وتُجْهز عليها ثم تتغذّى بها ، وفي دائرة هذه المطاردة تعاند الهوية أسباب الذوبان والفناء وتحتدّ في طلب الأمن والأمان ، وتتشبث بالوجود والديمومة والاستمرار.
إن العولمة تعني ذوبان الخصوصية والانتقال من الخاص إلى العام ، ومن الجزئي إلى الكلّي ، ومن المحدود إلى الشامل .وعلى خلاف ذلك يأخذ مفهوم الهوية اتجاها متقاطبا كليا مع مفهوم الشمولية والعمومية ؛ فالهوية انتقال من العام إلى الخاص ، ومن الشامل إلى المحدود ..إذْ تـبحث عن التمايز والتباين والمشخص والمتفرد والمعيّن ..أما العولمة بحثٌ عن العام والشامل واللامتجانس واللامحدود.
قضية العلاقة بين مفهوم الهوية والعولمة طُرحت على أكثر من صعيد ولا تزال تطرح لكونها من أهمّ القضايا وأكثرها صعوبة وتعقيدا وأقربها حضورا في عمق الجدل الدائر ليس لدى النخبة الثقافية والسياسية فحسب ، بل حتى لدى العديد من الناس العاديين ، ذلك أن انعكاساتها الفكرية والمعنوية ونتاجاتها المادية اقتحمت كل مجالات الحياة.
يذهب بعض المفكرين والباحثين إلى أن العولمة فعْلٌ يقلص امتداد الكون في هوية واحدة متجانسة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا.اذن نلاحظ ان هناك علاقة صراعية تصادمية بين العولمة والهوية الثقافية. فالعولمة تشبه القناص والهوية تشبه الطريدة ملاحقة ومطاردة. فهل ستنجو الطريدة وتحافظ على بقائها ?? اظن ان الواقع وانتظارات المستقبل ستجيب.ولكن ماهي فرص نجاة الهوية من العولمة في ظل سيادة وسائل وادوات تحاول سحق الهويات والخصوصيات ?
يبدو أن الأحداث التي تمر بها المنطقة تكشف عن الشيء الكثير فيما يخص الهوية الوطنية في كثير من الدول العربية. ففي أحيان معينة تختزل الهوية الوطنية لتأخذ صبغة طائفية, أو قومية, أو يحتكرها حزب واحد يتبنى أيدلوجية واحدة, وفي أحيان أخرى تكون الهوية الوطنية مشوهة حين لايعترف بها المهمشون والمضطهدون, وحينما تكون الوطنية مجرد أوراق يحملها الفرد حين يسافر فقط, أما ماهو أسوء فهو حينما تكون الهوية الوطنية مشروع لم يبدأ بعد! ماهي الهوية الوطنية (National identity), وهل يتمتع بها مواطنوا الدول العربية؟
لم يكن العالم العربي يعرف الهوية الوطنية بمفهومها الحديث, فهي أتت عقب التحرر من الهيمنة العثمانية والتي بنت هويتها على أساس إعتقاد ديني, ذو هوية طائفية معينة. أما مواطنوا الدول العربية فإنتمائهم موزع بين القبيلة والمدينة أو ولاء طائفي منقسم على بعضه. وبعد تحرر الدول العربية من هيمنة العثمانيين, بمساعدة البريطانيين والفرنسيين, كان النموذج الغربي لتأسسيس الدول هو على أساس الهوية الوطنية وهو النمط السائد في ذالك الوقت. فبالإتفاق بين الفرنسيين والبريطانيين في إتفاقية سايكس بيكو, تقسمت المنطقة إلى دول وصار لها هويات وطنية مستوردة على الطريقة الغربية, وذلك بعد أن خرج المحتل البريطاني والفرنسي من المنطقة. لكن مفهوم الهوية الوطنية الجديد في الدول العربية لم يتم تنميته وتطويره ليشمل الجميع في رقعة جغرافية محددة, فإختزل في قبيلة أو طائفة أو قومية معينة في حين يهمش الآخرين ليدخل الشعب الواحد في تناحر مستمر على السلطة في عملية إقصاء متبادل. فإن كانت الهوية الوطنية تبدأ بفكرة وتكتمل بالفعل فإن الفكرة التي بنيت عليها الهوية الوطنية في العالم العربي هي فكرة غربية, أما الفعل فهو فعل قومي أو طائفي أو مناطقي.
ففكرة الدولة الحديثة ظهرت في أوربا سنة 1648 بعد أن ظهر مفهوم الدولة ذات السيادة في إتفاقية السلام في ويستفاليا (Peace of Westphalia ) في المانيا بعد حرب الثلاثون عاما ً في الإمبراطورية الرومانية المقدسة, وحرب الثمانون عاما بين اسبانيا وهولندا التي كانت تضم سبع جمهوريات وتسمى البلاد المنخفضة. ففكرة الدولة ذات الحدود الجغرافية المحددة والسيادة على أراضيها الجغرافية وطبيعة العلاقات الخارجية بين الدول, حيث تكون الدول متساوية, وأقر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى, وأقر أيضا ًحق تقرير المصير في صلح ويستفاليا. إذن هذه هي الفكرة وراء إنشاء الدول في العالم العربي بعد إتفاقية سايكس بيكو, أي إنه مشروع غربي أريد منه إدخال الدول المستقلة حديثا ً عصر الحداثة من خلال الدخول في مفهوم الدولة الحديثة. لكن هذا المشروع لم يكتمل مع الأسف لغياب الوعي لدى الشعوب بأهمية هذا المشروع, عدا قلة قليلة من المثقفين المتنورين والذين جوبهوا بشتى أنواع الرفض من السلفيين والتقليديين من العروبيين الذين كانوا يركضون وراء وهم الوطن العربي الواحد من جهة, ومن جهة أخرى الإستعمار والذي تباطأ في عملية التحول من أجل إستغلال موارد هذه الدول.
فالمشروع الوطني لم يعمل له قط من قبل الحكومات المتعاقبة لينشأ جيل على حب الوطن بشكل صحيح. فترى المشاعر الوطنية تنهار في مواضع عدة عندما تمر الدول العربية في الأزمات. وهنا أتحدث بشكل عام, فبالتأكيد يوجد هناك الكثيرون من يعرفون ماهي الوطنية ويضحون من أجلها. لقد رأينا كيف أن مؤسسات الدولة تنهب في أول لحظة لإحتلال أو ثورة أو حتى شغب بسيط, فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على ضعف الروح الوطنية عندما يشعر الفرد أن تلك المؤسسة لاينتمي لها ولاتنتمي له. إن هويتنا الوطنية التي نتبجح بها هي صنيعة الدراما من خلال المسلسلات والأفلام التي ننتجها ونضحك بها على أنفسنا. إن من أهم مقومات الشعور بالإنتماء للوطن هو تقاسم الأشياء مع الآخرين, وأهمها القصة والحكاية الواحدة (Narrative ), والتي تحملها الثقافة الواحدة. فعندما يجلس شخصان لايعرف أحدهما الآخر في سيارة واحدة ويحدث أن يحصل مكروه لينتظر الركاب ساعات طويلة, فحينا يبدأ التعارف ويشعر الأثنين بشيء مشترك يجمعهما ألا وهو تلك السويعات القصيرة, فتلك هي القصة التي يحتاجها أبناء البلد الواحد والتي تجعلهم يحملون نفس المشاعر عندما يجمعهم خطب ما. هذه القصة تحكي زمن الجوع والإضطهاد المشترك, زمن الفرح وتبادل التهاني عندما يفوز منتخب البلد بكرة القدم, تحكي قصة الهم الذي يحمله الكل عن أسئلة الحاضر والمستقبل. لكن مع الأسف الشديد, لم تبدأ تلك القصة التي سرقها أصحاب المشاريع القومية والطائفية والعرقية, فضلوا يقصون قصص تحكى لفئة معينة ونمط معين من الناس ويرسخونها من خلال إضفاء القدسية عليها لتنشأ هويات فرعية متعددة وهوية وطنية مشوهة. وقد عبروا عن ذلك من خلال إحتكار السلطة بيد قبيلة أو طائفة أو منطقة معينة لتبدأ معها قصة من نوع ثان, هي قصة التهميش والإقصاء والتمييز العنصري. وهذا مانلحظ بوادره عندما تغيب الهوية الوطنية ليرتفع صوت الطائفة هنا وهناك, منذرة بإتهيارات جديدة وتقسيمات وإصطفافات من نوع جديد
لا تنبني الهوية إذن، إلا عبر المغايرة العقلانية، تلك التي تستوعب في سياق بنائها لسرديات تاريخها؛ أن الهوية ليست واحدة مفردة، أو ناجزة على الدوام، أو ناشئة عن تخلّق تأسيسي أصيل، ينوجد مرة واحدة والى الأبد.
فالذات الانسانية ليست كذلك، ولأنها ليست بهذا الجمود وهذا التعريف أو التوصيف السكوني الجاهز أو الناجز، فإن الهوية أيضا واحدة من أبرز الموجودات تغيرا وتحولا، في فضاء من التفاعلات الجدلية بين متحققات لا تتحقق على الدوام إلا كنتاج فواعل كثيرة، تبدأ من الأنا الانساني مرورا بعوامل التعرية الطبيعية لجغرافيات السلطة والدولة، وحراكات المجتمع والسياسة والاقتصاد وصولا إلى التاريخ؛ الناتج الأبرز للفواعل الرئيسة العاملة على إنتاج حركية الهوية في أبعادها المتغايرة، القارّة على إبراز نماذج من هويات ومن ذوات ومن أناوات ليست واحدة، لكنها في تفاعلها مع أنساق من العقل الجدلي- الفلسفي، قادرة على خلق القواعد المتراكبة لمفهوم للهوية لا يقوم على احتكار أو نفي أو مصادرة هويات الآخرين، بما هي الشكل الأرقى لانعكاس الوجود الإنساني وطبعه أو طباعه التي تصوغها وبشكل دائم هويات الاختلاف والمغايرة العقلانية الطبيعية، لا تلك المحكومة على الدوام لأدلوجات الميتاعقلانية.
الهوية نتاج إبداع دائم ومتواصل، وعمل دؤوب على إنتاج معنى متجدد لوجودنا كبشر "الأنا والآخر"، وبهذا المعنى لا يمكن للهوية أن تتحول إلى "تراث" جامد سكوني دون النظر والفهم والتأويل، وبالتالي نقد كل ما يحيط بهذا "التراث" من أسباب النكوص، ومسببات الإنحطاط والتراجع عن مناطق الإشراق والتنوير، إلى مناطق معتمة ومظلمة تتردى فيها سرديات حياتنا اليومية والتاريخية في كل أصعدتها؛ من الثقافة والفكر والفلسفة والعلوم الى الاقتصاد والسياسة والإجتماع، وصولا إلى الحط من التاريخ، وحتى النكوص في الجغرافيا، وضمور الديموغرافيا كذلك.
في هذه الحال أو في هذه المرحلة من مأزق وجودنا البيولوجي، لا يمكن الحديث عن هوية ناجزة، في ظل هذا التشظي والتذرر المجتمعي والسياسي والجغرافي والتاريخي الذي تشهده هويتنا، أو بالأحرى هوياتنا التي أضحت تتناثر كقطع زجاج يستحيل إعادة جمعها وفق صورتها السابقة؛ إلا إذا عملنا على استعادة صورة وطنية جامعة مصادرة ومحتكرة، يهمّشها الاستبداد، ويفعّلها غيابا وغيبوبة تلك القوى المجتمعية التي ترتع في سردياتها الشوفينية والتعصبية الخاصة، الطائفية والمذهبية والفئوية.
هنا تطرح إشكالية الأصالة والمعاصرة ضمن ثنائيات يراها البعض متصادمة أو متفاصلة، فيما يراها بعض آخر متواصلة، تجمع فيما بينها معارف مشتركة، تواصل بحثها الدائم والدائب عن تأصيل ما يتجادل حرا مع التاريخ ومع الواقع؛ بحثا عن وسائل علمية تاريخية كفيلة بتأصيل ما يمكن تأصيله، وتفصل ما لا يمكن أن يؤصل إلا عبر وسائل أيديولوجية، تطغى فيها لغة النقض العصيّة على التعاصر، وبالتالي فهي عصيّة على الفهم والتأويل في حقول الأصالة. على أن نقض طغيان الأيديولوجيا بوسائل ميثولوجية من أجل التأصيل أو البحث عن الأصالة في مواجهة المعاصرة والحداثة،لا يمكن أن يساهم في تقدمنا خطوة إلى الأمام، كما أنه لا يمكن إتمام هذه العملية بغير إيجاد الوسائل العلمية التاريخية المجرّبة، لا عبر وسائل أيديولوجية وطغيانها في كامل مساحة بناء الهوية.
لهذا.. فالهوية لا يصنعها الطغاة، ولا تبلورها سلطة الإستبداد، ولا تكرّسها السلطة؛ مطلق سلطة؛ دينية أو مدنية، وحتى بعض تمظهرات الوعي بالهوية، قد لا يكون منزّها عن الهوى والغرض؛ طالما هو يحيل إلى مرجعيات سلطويّة قاهرة؛ ميثولوجية أو أيديولوجية، تتحدّد بها الهوية ويرتبط وعيه بطغيانها. الهوية هنا رجراجة ليست ثابتة، لا سيما وأن السلطة المنتجة أو المروّجة لها ليست ثابتة أو دائمة.
إن تقويض مجتمع دولة ما، إنما هو تقويض لهويّته الثقافية، قبل أن يكون تقويضا لدولة هذا المجتمع. هنا يصنع الطاغية هويته، كي تتماهى الدولة والمجتمع وحتى الأمة مع "هوية" هي صنيعته هو
فالذات الانسانية ليست كذلك، ولأنها ليست بهذا الجمود وهذا التعريف أو التوصيف السكوني الجاهز أو الناجز، فإن الهوية أيضا واحدة من أبرز الموجودات تغيرا وتحولا، في فضاء من التفاعلات الجدلية بين متحققات لا تتحقق على الدوام إلا كنتاج فواعل كثيرة، تبدأ من الأنا الانساني مرورا بعوامل التعرية الطبيعية لجغرافيات السلطة والدولة، وحراكات المجتمع والسياسة والاقتصاد وصولا إلى التاريخ؛ الناتج الأبرز للفواعل الرئيسة العاملة على إنتاج حركية الهوية في أبعادها المتغايرة، القارّة على إبراز نماذج من هويات ومن ذوات ومن أناوات ليست واحدة، لكنها في تفاعلها مع أنساق من العقل الجدلي- الفلسفي، قادرة على خلق القواعد المتراكبة لمفهوم للهوية لا يقوم على احتكار أو نفي أو مصادرة هويات الآخرين، بما هي الشكل الأرقى لانعكاس الوجود الإنساني وطبعه أو طباعه التي تصوغها وبشكل دائم هويات الاختلاف والمغايرة العقلانية الطبيعية، لا تلك المحكومة على الدوام لأدلوجات الميتاعقلانية.
الهوية نتاج إبداع دائم ومتواصل، وعمل دؤوب على إنتاج معنى متجدد لوجودنا كبشر "الأنا والآخر"، وبهذا المعنى لا يمكن للهوية أن تتحول إلى "تراث" جامد سكوني دون النظر والفهم والتأويل، وبالتالي نقد كل ما يحيط بهذا "التراث" من أسباب النكوص، ومسببات الإنحطاط والتراجع عن مناطق الإشراق والتنوير، إلى مناطق معتمة ومظلمة تتردى فيها سرديات حياتنا اليومية والتاريخية في كل أصعدتها؛ من الثقافة والفكر والفلسفة والعلوم الى الاقتصاد والسياسة والإجتماع، وصولا إلى الحط من التاريخ، وحتى النكوص في الجغرافيا، وضمور الديموغرافيا كذلك.
في هذه الحال أو في هذه المرحلة من مأزق وجودنا البيولوجي، لا يمكن الحديث عن هوية ناجزة، في ظل هذا التشظي والتذرر المجتمعي والسياسي والجغرافي والتاريخي الذي تشهده هويتنا، أو بالأحرى هوياتنا التي أضحت تتناثر كقطع زجاج يستحيل إعادة جمعها وفق صورتها السابقة؛ إلا إذا عملنا على استعادة صورة وطنية جامعة مصادرة ومحتكرة، يهمّشها الاستبداد، ويفعّلها غيابا وغيبوبة تلك القوى المجتمعية التي ترتع في سردياتها الشوفينية والتعصبية الخاصة، الطائفية والمذهبية والفئوية.
هنا تطرح إشكالية الأصالة والمعاصرة ضمن ثنائيات يراها البعض متصادمة أو متفاصلة، فيما يراها بعض آخر متواصلة، تجمع فيما بينها معارف مشتركة، تواصل بحثها الدائم والدائب عن تأصيل ما يتجادل حرا مع التاريخ ومع الواقع؛ بحثا عن وسائل علمية تاريخية كفيلة بتأصيل ما يمكن تأصيله، وتفصل ما لا يمكن أن يؤصل إلا عبر وسائل أيديولوجية، تطغى فيها لغة النقض العصيّة على التعاصر، وبالتالي فهي عصيّة على الفهم والتأويل في حقول الأصالة. على أن نقض طغيان الأيديولوجيا بوسائل ميثولوجية من أجل التأصيل أو البحث عن الأصالة في مواجهة المعاصرة والحداثة،لا يمكن أن يساهم في تقدمنا خطوة إلى الأمام، كما أنه لا يمكن إتمام هذه العملية بغير إيجاد الوسائل العلمية التاريخية المجرّبة، لا عبر وسائل أيديولوجية وطغيانها في كامل مساحة بناء الهوية.
لهذا.. فالهوية لا يصنعها الطغاة، ولا تبلورها سلطة الإستبداد، ولا تكرّسها السلطة؛ مطلق سلطة؛ دينية أو مدنية، وحتى بعض تمظهرات الوعي بالهوية، قد لا يكون منزّها عن الهوى والغرض؛ طالما هو يحيل إلى مرجعيات سلطويّة قاهرة؛ ميثولوجية أو أيديولوجية، تتحدّد بها الهوية ويرتبط وعيه بطغيانها. الهوية هنا رجراجة ليست ثابتة، لا سيما وأن السلطة المنتجة أو المروّجة لها ليست ثابتة أو دائمة.
إن تقويض مجتمع دولة ما، إنما هو تقويض لهويّته الثقافية، قبل أن يكون تقويضا لدولة هذا المجتمع. هنا يصنع الطاغية هويته، كي تتماهى الدولة والمجتمع وحتى الأمة مع "هوية" هي صنيعته هو