Search - للبحث فى مقالات الموقع

Friday, July 8, 2011

أريبرت فرديناند هايم الطبيب النازى ملاك الموت أو طارق حسين



حتى في هذه السن الكبيرة ظل الرجل الألماني النشيط فارع الطول، الذي يعرفه السكان باسم طارق حسين فريد، محافظا
 على روتينه بالسير لمسافة 15 ميلا يوميا في شوارع العاصمة المصرية المزدحمة. كان يسير إلى جامع الأزهر الشهير، حيث اعتنق الدين الإسلامي، وإلى مقهى جروبي الشهير في وسط المدينة، حيث كان يطلب كعكة الشوكولاتة التي كان يرسلها إلى أصدقائه ويشتري الحلويات من أجل أبنائهم، الذين كانوا يلقبونه باسم العم طارق. 
ويذكره الأصدقاء والمعارف في مصر على أنه مصور هاو، كان يحمل الكاميرا حول عنقه طوال الوقت تقريبا، ولكنه لم يسمح لنفسه مطلقا أن يظهر في صورة، ولذلك سبب وجيه، وهو أن العم طارق كان اسمه أريبرت فرديناند هايم، وكان عضوا في وحدات النخبة النازية الألمانية مع هتلر، وكان طبيبا في المعسكرات بوخينفالد، وزاكسن هاوزن، وماوت هاوزن النازية. وكان ذلك خلف الجدران الحجرية الرمادية لمعسكر ماوت هاوزن، في موطنه النمسا، حيث ارتكب الدكتور هايم أعمالا شنيعة ضد المئات من اليهود وآخرين، مما أكسبه اسم طبيب الموت، وقد ظل أكثر مجرمي الحرب النازيين المطلوبين حسب مركز سيمون فيزنتال. 


صورة من شهادة الوفاة باسم طارق فريد الاسم الذي أخذه هايم بعد اعتناقه الإسلام (إ.ب. أ)
وقد اتهم الدكتور هايم بإجراء عمليات للمساجين دون مخدر، وبتر أعضاء من المساجين الأصحاء ثم تركهم يموتون على منضدة العمليات، وحقن السموم والبنزين في قلوب آخرين، ونزع جمجمة ضحية واحدة على الأقل للاحتفاظ بها كتذكار.

وبعد العيش بعيدا عن أنظار الباحثين عن النازيين لمدة تزيد على عشرة أعوام بعد الحرب العالمية الثانية، قضى معظمها في مدينة بادن-بادن الألمانية، حيث تزوج وأنجب ولدين وعمل طبيب أمراض نساء، ثم هرب قبل القبض عليه حيث ضيق المحققون الخناق حوله عام 1962. وظل مكان اختفائه ووفاته أيضا في عام 1992 لغزا حتى الآن.

وقد صرح محققون في إسرائيل وألمانيا مرارا أنهم يعتقدون أن هايم حي ومختبئ في أميركا اللاتينية، بالقرب من امرأة يزعم أنها ابنته غير الشرعية التي تعيش في تشيلي. وقد أرسل شهود من فنلندا إلى فيتنام ومن السعودية إلى الأرجنتين معلومات سرية إلى المحققين وأوردوا أخبارا عن رؤيته.


الفندق الذي أقام فيه الطبيب النازي في حي الموسكي (أ ب أ)
وتخفي حقيبة، تعلوها الأتربة ويكسو أقفالها الصدأ وطواها النسيان في القاهرة، الحقيقة وراء هرب الدكتور هايم إلى الشرق الأوسط. وقد حصلت «نيويورك تايمز» وقناة «زي دي إف» التليفزيونية الألمانية على هذه الحقيبة من أسرة دوما، مالكة الفندق الذي كان يسكن فيه هايم. وتخبر المستندات الموجودة في الحقيبة عن قصة حياته وموته في مصر.

وتحتوي الحقيبة على أرشيف من الأوراق الصفراء، بعضها داخل أظرف ما زالت مغلقة، من رسائل هايم ونتائج تحاليله الطبية، وسجلاته المالية، ومقال به خطوط وتعليقات في الحواشي مأخوذ من مجلة ألمانية، يتعلق بمطاردته والحكم الصادر ضده غيابيا، بل ورسومات للجنود والقطارات، رسمها الأبناء الذين تركهم في ألمانيا. وتحمل بعض الوثائق اسم هايم، بينما تحمل أخرى اسم فريد، ولكن غالبيتها تحمل الاسم الثاني، مثل طلب الحصول على الإقامة المصرية باسم طارق حسين فريد، بتاريخ الميلاد ذاته، 28 يونيو (حزيران) 1914، ومحل الميلاد ذاته، رادكيرسبرغ في النمسا.

وعلى الرغم من أن أحدا من أصدقائه ومعارفه العشرة في القاهرة الذين تعرفوا على صورة هايم لم يعرفوا هويته الحقيقة، فإنهم قالوا إنه كانت هناك إشارات تشير إلى أنه ربما كان هاربا. 

يقول طارق عبد المنعم الرفاعي، ابن عبد المنعم الرفاعي (88 عاما)، طبيب الأسنان الذي كان يعالج هايم في مصر، وصديقه المقرب: «الأمر الذي علمته من أبي في ذلك الوقت أنه ربما كان على خلاف مع اليهود، ولكنه لجأ إلى القاهرة في ذلك الوقت». 

وتؤكد شهادة وفاة موثقة من السلطات المصرية روايات الشهود بأن الرجل الذي يدعى طارق حسين فريد، توفي عام 1992. ويقول ابنه روديغر هايم: «إن طارق حسين فريد هو الاسم الذي اتخذه والدي عندما تحول إلى الإسلام». 

وفي مقابلة في منزل الأسرة في بادن-بادن اعترف هايم (53 عام) علنا لأول مرة أنه كان مع والده في مصر في وقت وفاته من مرض سرطان المستقيم. 

وقال هايم، الذي يتميز بطوله مثل أبيه ووجهه يمتلئ بالحزن وهو يتحدث في هدوء وحذر: «كان ذلك في فترة دورة الألعاب الأوليمبية، وكان هناك تلفزيون في الغرفة، وكان يشاهد الألعاب. لقد كانت تشتت انتباهه، فلا بد أنه كان يعاني من ألم كبير». 

وتوفي الطبيب أريبرت هايم بعد يوم من انتهاء دورة الألعاب في 10 أغسطس (آب) في 1992، وفقا لما صرح به ابنه، وللتاريخ المذكور في شهادة الوفاة. 

مقهى جروبي الشهير في شارع طلعت حرب حيث كان يطلب طارق فريد كعكة الشيكولاتة ومن ثم ارسالها إلى أصدقائه ويشتري الحلويات من أجل أبنائهم (إ.ب.أ) 
وصرح هايم أنه عرف مكان والده من عمته، التي توفيت منذ ذلك الحين. وقال إنه لم يظهر شخصيته حينها لأنه لم يرد أن يسبب مشكلة لأي من أصدقاء والده في مصر. ومع تناقص أعداد الباقين على قيد الحياة من مجرمي الحرب النازيين أصبحت قضية والده بارزة، وعلى الرغم من الدليل المكتشف حديثا على الفترة التي أمضاها هايم في مصر فإنه من المستحيل غلق ملف قضيته نهائيا، حيث ما زال مكان دفنه لغزا. 

قد تكون وفاته مهمة، ولكنها حتى الآن ركن أساسي مجهول في إنهاء التحقيقات الحثيثة والمثيرة للجدل في بعض الأوقات وراء مجرمي الحرب النازيين، والتي أدت إلى محاكمة مخطط الهولوكوست أدولف أيخمان، ولكنها لم تستطع مطلقا أن تمسك بأشهر أطباء النازية جوزف مينغل، الذي توفي في البرازيل عام 1979، كما أثبتت اختبارات الطب الشرعي. 

وبينما استحوذت الحياة السرية التي عاشها النازيون في دول مثل الأرجنتين وباراغواي على خيال العامة في كتب وأفلام مثل «ملف الأوديسة» و«فتيان من البرازيل»، تلقي قضية هايم بالضوء على تاريخ هروبهم، الذي كثيرا ما يجذب الأنظار، إلى الشرق الأوسط. 

وقبل أن يتغير اتجاه الرياح السياسية كان النازيون القدامى مرحبا بهم في مصر في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، لمساعدتهم خصيصا في التكنولوجيا العسكرية. 

وقال روديغر هايم إن والده أخبره أنه يعرف نازيين آخرين هناك، ولكنه حاول أن يظل بعيدا عنهم. 

وعلى الرغم من ذلك لا يزال غير واضح كيف استطاع الدكتور هايم الهرب من مطارديه لفترة طويلة، بينما يتلقى الأموال من أوروبا، وخاصة من شقيقته الراحلة هيرتا بارث، وأن يراسل أصدقاءه وأسرته بخطابات مطولة. 

ويقول إفرايم زوروف، المدير الإسرائيلي لمركز سيمون ويزنتال، الذي كان يبحث عن هايم وسافر إلى تشيلي في يوليو (تموز) الماضي لنشر الوعي بهذه القضية: «كان العالم العربي ملجأ أفضل وأكثر أمنا من أميركا الجنوبية». وأعرب زوروف عن دهشته عندما علم بمصير الطبيب هايم، قائلا إن المركز كان على وشك رفع مكافأة الإدلاء بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه إلى 1.3 مليون دولار من 400,000 دولار. 

وكانت المرة الوحيدة التي ألقي فيها القبض على الدكتور هايم عندما اعتقله الجيش الأميركي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن أفرج عنه الجيش فيما يبدو لعدم علمه بأن المحققين في النمسا يخططون لرفع قضية ضده. وقد حصل فريق أميركي للتحقيق في جرائم الحرب على شهادات بالجرائم التي ارتكبها جوزيف كول، السجين السابق في ماوت هاوزن في 18 يناير (كانون الثاني) عام 1946، بعد أقل من عام من استسلام ألمانيا. 

وقال كولن وفقا لنص الحوار: «كان الدكتور هايم معتادا على النظر في أفواه المساجين لتحديد ما إذا كانت أسنانهم خالية من العيوب، وإذا كانوا كذلك كان يقتل السجين بحقنه ويقطع رأسه ويتركها في فرن حرق الموتى لساعات حتى ينزع اللحم من عظام الجمجمة، ثم يجهز الجمجمة لنفسه وأصدقائه ليضعوها زينة على مكاتبهم». 

وقال زوروف إنه بسبب وجود الدكتور هايم في ماوت هاوزن لمدة قصيرة في الحرب، في خريف عام 1941، فإنه «لا يعرف أشخاصا أحياء الآن عانوا بسببه ويمكنهم أن يدلوا بشهاداتهم الخاصة عن جرائمه ضدهم». 

وقال المحققون الألمان إن هايم كان حذرا طوال فترة ما بعد الحرب في الوقت الذي تخلى فيه بعض الأشخاص عن حذرهم. ولاحظ المحققون أن الدكتور هايم، لاعب هوكي الجليد البارع، ظل بعيدا عن التصوير عندما كان فريق الهوكي الذي يلعب معه يقف لالتقاط صورة جماعية، حتى بعد أن فاز ببطولة ألمانيا. وامتلك الدكتور هايم مبنى سكنيا في برلين، يقول المحققون إنه كان يدر عليه لسنوات دخلا في حياته تحت اسم مستعار. 

وفي مقر شرطة ولاية بادن- فارتيمبرك في شتوتغارت اليوم، تمتلئ خريطة العالم بعلامات مغناطيسية صغيرة، حيث تشير إلى الأماكن التي ظهرت فيها أنباء أو تقارير عن رؤيته. وقال المحققون إنهم قد بحثوا باستمرار منذ اختفائه في عام 1962، بتتبع أكثر من 240 خيطا، واستبعاد العديد من الأشخاص الذين ظنوا أنهم الدكتور هايم. وعلى الرغم من أنهم لم يقبضوا عليه مطلقا فإنهم كانوا قريبين من مكان اختبائه في الشرق الأوسط. 

ويقول يواكيم تشاك، رئيس وحدة ملاحقة الهاربين في شرطة الولاية: «كانت هناك معلومات بأن هايم في مصر يعمل طبيبا في الشرطة فيما بين عام 1967 وبداية السبعينات. وأثبت هذا الخيط عدم صحته». 

ووفقا لما قاله ابنه، غادر هايم ألمانيا وانتقل إلى فرنسا وإسبانيا قبل أن يعبر إلى المغرب ويستقر أخيرا في القاهرة. 

وكتب هايم في خطاب لمجلة شبيغل الألمانية، بعد أن نشرت تقريرا عن قضية جرائم الحرب التي ارتكبها في عام 1979: «كانت هذه مجرد مصادفة أن الشرطة لم تلقِ القبض علي، لأنني لم أكن في منزلي في ذلك الوقت». وليس من الواضح ما إذا كان قد أرسل بهذا الخطاب بالفعل، وقد وجد في ملفاته، التي عثر بينها على العديد من الرسائل المكتوبة بخط متصل دقيق باللغة الألمانية أو الإنجليزية. 

وفي الخطاب اتهم أيضا سيمون ويزنتال، الذي كان معتقلا في ماوت هاوزن، بأنه «من اختلق قصة هذا التعذيب». وتناول الدكتور هايم أيضا ما أسماه بالمجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وأضاف أن جماعة الخزر اليهودية، وهي جماعة ضغط صهوينية في الولايات المتحدة، كانت أول من أعلن الحرب على ألمانيا تحت قيادة هتلر عام 1933. 

وكان الحديث عن الجماعة العرقية التركية الخزر هي الفكرة الأساسية المتكررة التي تناولها الدكتور هايم، الذي ظل منشغلا في القاهرة بإجراء بحث كتبه بالإنجليزية والألمانية، منتقدا بشدة «إمكانية نظرية معاداة السامية، بسبب حقيقة أن معظم اليهود ليسوا ساميين في أصولهم العرقية»، على حد قوله. 

ويذكر الدكتور الرفاعي أن الدكتور هايم أظهر لأسرته مسودات مختلفة لهذه الورقة البحثية، كانت بين الأوراق التي عثر عليها في الحقيبة التي حصلت عليها نيويورك تايمز وقناة (زي دي إف). 

وأوردت القائمة أيضا خططا لإرسال مسودات من البحث إلى شخصيات بارزة حول العالم، تحت اسم الدكتور يوسف إبراهيم، من بينهم أمين عام الأمم المتحدة كورت فالدهايم، ومستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة زبينغنيو بريجنسكي، وزعيم يوغوسلافيا الراحل المارشال تيتو. 


حياة العم طارق 
* لقد أقام علاقات وطيدة بجيرانه، من بينهم أسرة دوما التي كانت تدير فندق قصر المدينة (في منطقة الموسكي القديمة)، الذي عاش فيه الدكتور هايم العقد الأخير من عمره قبل وفاته. وقال محمود دوما، الذي كان والده مالكا للفندق، إن الدكتور هايم كانت يتحدث اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى اللغة الألمانية. وقال دوما إن جاره كان يقرأ القرآن ويتعلمه، ومعه نسخة منه باللغة الألمانية طلبتها أسرة دوما من أجله. 

ويشعر دوما (38 عام) بالتأثر عند الحديث عن الرجل الذي كان يعرفه باسم العم طارق، والذي يقول إنه كان يعطيه الكتب ويشجعه على الدراسة، ويقول: «كان مثل والدي، وكان يحبني وكنت أحبه». 

وأخذ يذكر كيف اشترى العم طارق مضارب تنس ووضع شبكة تنس في سطح الفندق، حيث كان هو ورفاقه يلعبون مع الألماني المسلم حتى غروب الشمس. ولكن في عام 1990 بدأت صحة الدكتور هايم في التدهور، وتم تشخيص حالته بأنه مريض بالسرطان. 

وبعد وفاته أصر ابنه روديغر على أن يحقق أمنية والده بالتبرع بجسده للعلم، وهذا أمر ليس بسهل في دولة مسلمة، حيث تقضي القوانين بسرعة دفن الموتى وتعارض التشريح. وعارض دوما، الذي أراد أن يدفن العم طارق في مدافن الأسرة بجوار والده، هذه الفكرة. وركب الرجلان في سيارة بيضاء لنقل جثمان الدكتور هايم، الذي تم تغسيله وتكفينه في كفن أبيض وفقا للشريعة الإسلامية، ووضع في نعش خشبي. 

وقال دوما إنهما أعطيا موظف المستشفى رشوة ليأخذا الجثمان، ولكن السلطات المصرية اكتشفت الأمر ودفن الدكتور هايم في مقبرة عامة دون ذكر هويته.